رويترز: ولي العهد السعودي بن سلمان يعود للساحة العالمية بزيارة واشنطن

الرياض: يزور ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان واشنطن يوم الثلاثاء، في مهمة لاستعادة مكانته على الساحة العالمية، وليثبت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن دعم قيادته القوية يستحق الرهان عليه، وذلك في أول زيارة له للبيت الأبيض منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي فجر غضبا عالميا، ونفى بن سلمان إصدار الأمر بتنفيذ العملية، لكنه أقر بمسؤوليته كحاكم فعلي للمملكة.. وفق رويترز.
ويؤكد اجتماع الثلاثاء بين ترامب والحاكم الفعلي للمملكة على العلاقة القائمة على المصالح الاستراتيجية، التي صمدت حتى مع الغضب الذي اشتعل عقب مقتل خاشقجي في عام 2018، قبل أن يتلاشى، وتهدف إلى تعزيز التعاون القائم منذ عقود في قطاعي النفط والأمن، فضلا عن توسيع العلاقات في التجارة والتكنولوجيا وربما حتى الطاقة النووية.
يسعى ترامب إلى الاستفادة من التعهد السعودي باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار الذي تم الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة في مايو أيار. وتجنب ترامب ذكر المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان خلال تلك الزيارة، ومن المتوقع أن يفعل ذلك مرة أخرى.
ويسعى الأمير محمد إلى الحصول على ضمانات أمنية وسط الاضطرابات الإقليمية ويريد الوصول إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتقدم نحو اتفاق بشأن برنامج نووي مدني.
وقال عزيز الغشيان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والمقيم في السعودية، إن هناك "صفحة طويت" بشأن مقتل خاشقجي.
* التركيز على اتفاق دفاعي
هناك ترتيب قائم منذ فترة بعيدة بين الولايات المتحدة والسعودية يقضي بأن تبيع المملكة النفط بأسعار تفضيلية وأن توفر القوة العظمى الأمن في المقابل.
واختلت هذه المعادلة بسبب عدم تحرك واشنطن عندما ضربت إيران منشآت نفطية في المملكة في عام 2019. وعادت المخاوف إلى الظهور في سبتمبر أيلول عندما نفذت إسرائيل هجوما على العاصمة القطرية الدوحة قالت إنه استهدف قادة في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وفي أعقاب ذلك، وقّع ترامب اتفاقا دفاعيا مع قطر بموجب أمر تنفيذي. ويعتقد عدد من المحللين والدبلوماسيين والمسؤولين الإقليميين أن السعوديين سيحصلون على شيء مماثل.
وكانت السعودية تسعى إلى إبرام اتفاقية دفاعية يصادق عليها الكونجرس الأمريكي في المفاوضات الأحدث، إلا أن واشنطن جعلت ذلك مشروطا بتطبيع المملكة لعلاقاتها مع إسرائيل.
وبدورها ربطت الرياض ذلك بالتزام الحكومة الإسرائيلية، الحكومة اليمينية الأكثر تشددا في تاريخ إسرائيل، إزاء إقامة دولة فلسطينية. وجدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد معارضته الشديدة لاستقلال الفلسطينيين.
ووافق نتنياهو على وقف إطلاق النار الذي توسط فيه ترامب مع حركة حماس في غزة الشهر الماضي بعد حرب استمرت عامين.
وسيكون إصدار ترامب لأمر تنفيذي بشأن الدفاع، مشابه للاتفاق مع قطر، أقل من الاتفاقية الدفاعية الذي يطمح إليها السعوديون. لكن الغشيان قال إنه "سيكون خطوة على الطريق، وجزءا من العملية، وليس نهايتها".
ولخّص دبلوماسي غربي مقيم في الخليج الديناميكية بالقول "ترامب يريد التطبيع والسعودية تريد اتفاقية دفاعية كاملة، لكن الظروف لا تسمح بذلك. في النهاية، سيحصل الطرفان على الأرجح على أقل مما يريدان. هذه هي الدبلوماسية".
وقال دينيس روس، وهو مفاوض سابق لشؤون الشرق الأوسط لإدارات لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ويعمل الآن في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنه يتوقع صدور أمر تنفيذي يدعو الولايات المتحدة والسعوديين "للتشاور الفوري حول ما يجب القيام به ردا على أي تهديد". دون إلزام واشنطن بالمسارعة بشكل فعلي للدفاع عن الرياض.
وأضاف "يمكن أن يتراوح النطاق بين تقديم مجموعة من المساعدات المختلفة واستبدال الأسلحة ونشر بطاريات صواريخ دفاعية مثل ثاد أو باتريوت ونشر قوات بحرية مع وحدة من مشاة البحرية، إلى المشاركة الفعلية في القتال بطريقة هجومية وليس دفاعية فقط".
* الصفقات مهمة في ضوء التنافس الإقليمي
تضغط الرياض كذلك من أجل إبرام صفقات في مجال الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي في إطار خطتها الطموح (رؤية 2030) لتنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها مقارنة بمنافسيها الإقليميين.
وسيكون الحصول على موافقة تتعلق بالرقائق الحاسوبية المتطورة أمرا بالغ الأهمية لخطط المملكة لتصبح حلقة مركزية في مجال الذكاء الاصطناعي العالمي والتنافس مع الإمارات التي وقعت في يونيو حزيران صفقة أمريكية بمليارات الدولارات للحصول على رقائق متطورة.
ويتطلع الأمير محمد كذلك لإبرام اتفاق مع واشنطن بشأن تطوير برنامج نووي مدني سعودي، في إطار جهوده لتنويع مصادر الطاقة بعيدا عن النفط.
ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن يتيح إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية الأمريكية والضمانات الأمنية الأمريكية ويساعد السعودية على اللحاق بالإمارات التي لديها برنامجها الخاص، وكذلك بخصمها التقليدي إيران.
لكن التقدم في مثل هذا الاتفاق الأمريكي أمر صعب لأن السعوديين لا يرغبون في الموافقة على شرط أمريكي يستبعد تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود المستنفد، وكلاهما مساران محتملان لصنع قنبلة نووية.
وقال روس إنه يتوقع الإعلان عن اتفاق يتعلق بالطاقة النووية، أو على الأقل بيان حول التقدم المحرز نحو اتفاق.
* محلل: الزيارة ستمثل لحظة "ما قبل التتويج"
عالميا، خرج زعيم أكبر بلد مصدر للنفط من قضية قتل خاشقجي على يد شخصيات أمنية سعودية دون أن ينال منه شيء، وهو اغتيال ربطته الاستخبارات الأمريكية بولي العهد. ونفى الأمير إصداره أمرا باغتياله، لكنه أقر بمسؤوليته عنه بصفته الحاكم الفعلي للمملكة.
وقال المرشح الرئاسي آنذاك جو بايدن إنه يجب نبذ السعودية بسبب قتله. لكن واشنطن مضت قدما في النهاية متجاوزة القضية، تدفعها ملفات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا.
وعززت عودة ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025 العلاقات قوة، إذ تمخضت عنها تعهدات استثمارية سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وفيض من الثناء، واهتمام مشترك بإبرام اتفاق دفاعي.
وعندما يصل الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، فسوف يلقى نفس الاستقبال المهيب الذي يحظى به أي ولي عهد.
وقال ستيف كليمنز وهو محلل في واشنطن "ستكون هذه أشبه (بلحظة) ما قبل التتويج"، في إشارة إلى أن مستقبل المملكة أصبح الآن في يد أميرها الشاب.
وأشار بول سالم الباحث بمعهد الشرق الأوسط إلى أنه بالرغم من الأزمات الماضية ـ مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 التي كان 15 من منفذيها سعوديين ـ فإن الولايات المتحدة والسعودية تظلان مرتبطتين بنفس الحسابات العقلانية التي ترسم علاقاتهما: المصالح المشتركة في مجال الطاقة، والدفاع، والآن الذكاء الاصطناعي.
وأضاف سالم "الذكاء الاصطناعي هو نفط القرن الحادي والعشرين، وأمريكا تحتاج إلى طاقة الخليج ورأس ماله"، مضيفا أن الدفاع هو الذي يرسخ العلاقة، مع تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية.
ويمثل صعود الأمير محمد بن سلمان تحولا من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد. فسيكون الأمير أول عاهل سعودي من أحفاد مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز، منهيا بذلك تقاليد راسخة منذ عقود.
ومنذ البداية، صاغ مهمته بعبارات جريئة، إذ قال في عام 2017 بعدما أصبح ولي العهد "70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وأقولها بكل صراحة: لن نضيع بقية حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا"، وتعهد بالعودة إلى "الإسلام الوسطي المعتدل".
بدأت رحلة صعود الأمير محمد بن سلمان عندما تولى والده الملك سلمان العرش عام 2015 ومنحه مناصب قيادية، منها منصب وزير الدفاع.
وفي عام 2017، أطاح الأمير بابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، من ولاية العهد فيما عرف بانقلاب القصر، ليضرب عرض الحائط بتسلسل لطالما تحدد بناء على "الأقدمية الأبوية". وبث التلفزيون السعودي لقطات للأمير محمد بن سلمان وهو يُقبل يد نايف، في مشهد هدفه الإشارة إلى وحدة تخفي بين طياتها استيلاء على السلطة.
ويهيمن حضوره على الحياة العامة: فصوره تنتشر بالمراكز التجارية واللوحات الإعلانية ووسائل الإعلام المحلية، وتُقدَّم كل مبادرة له على أنها إنجاز رائع. ومع ذلك، لا تزال أساليبه غامضة. فقد أسكتت حملات القمع النقاش حول مدى قدرة طموحاته الاقتصادية على تحقيق أهدافها.
واقتحمت السعودية أيضا الساحة الرياضية العالمية؛ فقد دمجت سلسلة (إل.آي.في) الجديدة للجولف المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي مع رابطة لاعبي الجولف المحترفين، واستقطبت نجوما في عالم كرة القدم مثل كريستيانو رونالدو، وحصلت على حقوق استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 وتقدمت بطلب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034.



















