العقيد (م) محمد الخطيب يكتب :- مدينة عمرة ليست اختبار استثمار… بل امتحان وطني لتشغيل الأردنيين

لضمان أن يتحوّل مشروع مدينة عمرة فعلياً إلى منصة لتشغيل الأردنيين أولاً وأساساً، لا بد من الانتقال من النوايا إلى السياسات الملزِمة والأدوات التنفيذية الواضحة. وأولى هذه الخطوات أن تُربط جميع العطاءات والمشاريع الاستثمارية داخل المدينة بشروط تشغيل وطنية صريحة، تُلزم أي مستثمر أو متعهد بنسبة تشغيل أردنية لا تقل عن حدٍّ مرتفع منذ اليوم الأول، مع تحديد جدول زمني لإحلال العمالة الأردنية الكامل في الوظائف القابلة للتأهيل والتوطين.
كما يمكن اشتراط تضمين جميع الاتفاقيات الاستثمارية بنوداً جزائية واضحة في حال مخالفة نسب التشغيل، مقابل حوافز إضافية للمستثمرين الملتزمين، مثل تخفيضات على بدل الأراضي أو تسهيلات ضريبية أو أولوية في التوسع داخل المدينة. فالتشغيل لا يُترك لاعتبارات السوق فقط، بل يُدار كجزء من الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
ومن الضروري أن يترافق تنفيذ المشروع مع إنشاء مركز وطني للتدريب والتأهيل المهني داخل مدينة عمرة نفسها، بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والجامعات وكليات المجتمع، بحيث يتم رفد سوق العمل بمهارات جاهزة تلبي احتياجات المشاريع المتوقعة في الإنشاء، والإدارة، والتكنولوجيا، والطاقة، والنقل، والتعليم، والضيافة. وبهذا نغلق الذريعة التقليدية التي تُستخدم أحياناً لاستقدام عمالة وافدة بحجة نقص الكفاءات المحلية.
كذلك، يُمكن اعتماد سياسة «الأردني أولاً في التوظيف» داخل المدينة، عبر إنشاء قاعدة بيانات وطنية مخصصة لمشروع عمرة، تُدار بالتنسيق مع وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية، وتُعطى فيها الأولوية لسكان المناطق المحيطة، والموظفين والمتقاعدين، والشباب حديثي التخرج، بما يحقق بعداً تنموياً محلياً ويحدّ من البطالة في لواء الموقر ومحيطه.
ولا يقل أهمية عن ذلك تعزيز دور الشركات الأردنية، لا سيّما الصغيرة والمتوسطة، عبر تخصيص نسب من العقود لها، وربطها بسلاسل التوريد داخل المشروع، فكل شركة أردنية تُشغَّل تعني فرص عمل أردنية إضافية، واستدامة اقتصادية أعمق من مجرد وظيفة واحدة. ويمكن للمؤسسات التمويلية الوطنية دعم هذا التوجه من خلال برامج تمويل مشروطة بالتشغيل المحلي.
أما على مستوى الحوكمة، فيفترض أن يُمنح مجلس استشاري الشباب دوراً رقابياً حقيقياً في متابعة ملف التشغيل، وقياس نسب الأردنة، ورفع تقارير دورية للرأي العام، لأن الشفافية هنا عنصر حاسم في بناء الثقة وضمان عدم انحراف المشروع عن أهدافه الوطنية.
وأخيراً، فإن نجاح تشغيل الأردنيين في مدينة عمرة يتطلب إرادة سياسية حازمة، تُترجمها تعليمات تنفيذية واضحة من الحكومة الأردنية، تجعل من هذا المشروع نموذجاً يُحتذى به وطنياً، لا مدينة حديثة تُدار بأيادٍ غير أردنية، بل مشروع دولة يُبنى بسواعد أبنائها ويعود ريعه عليهم، اقتصادياً واجتماعياً ومستقبلياً.

















