+
أأ
-

السفير محمد الكايد : نتنياهو .. وطلب العفو

{title}
بلكي الإخباري

في خطوة غير مسبوقة ، قدم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل بضعة ايام طلبا الى الرئيس الاسرائيلي اسحق هرتزوغ يطلب فيه منحه عفوا رئاسيا عن قضايا الفساد الثلاثة المتهم بها بهدف انهاء المحاكمة الجارية له منذ اكثر من خمسة سنوات. وبرر نتنياهو طلبه بان المحاكمة تشكل مؤامرة سياسية تضر بمصلحة اسرائيل القومية وتعمق الانقسامات الداخلية في مواجهة الاخطار الاقليمية والدولية التي تحيط باسرائيل ، وان جلسات المحامكة الاسبوعية تعيق عمله وتصرفه عن القضايا والاخطارالسياسية المهمة التي تواجهها دولة اسرائيل.

يشكل طلب نتنياهو للعفو سابقة في تاريخ دولة اسرائيل تم فيه خلط التداعيات القانونية مع الظروف السياسية مما زاد من الانقسامات داخل المجتمع الاسرائيلي حول الدوافع الحقيقية من وراء الطلب. ففي الوقت الذي يؤيد فيه اليمين الاسرائيلي وحلفاء تنياهو السياسين مثل بن غفير وسمورتيش طلب العفو باعتباره خطوة لنبذ الانقسامات الداخلية وضرورية لتفرغ رئيس الحكومة لمواجهة التهديدات الخارجية، فان اعداء نتنياهو السياسيون يرون بان العفو هو محاولة للهروب من الجزاء القانوني الذي ينتظره وان عليه ان يدفع ثمن فساده تجسيدا لمبدأ استقلال القضاء وعدم تغول الحكومة ورئيسها على الجهاز القضائي الاسرائيلي.

ويواجه الرئيس الاسرائيلي هرتزوغ خيارا صعبا يمكن ان يؤدي الى زعزعة الاسس الدستورية التي قامت عليها دولة اسرائيل بغض النطر عن منح العفو او حجبه. وقد صرح الرئيس بانه سينظر في طلب العفو بما تقتضيه مصلحة الدولة. فصلاحيات الرئيس بالعفو تحتم وجود حكم قضائي بالادانة اولا وهو غير متوفر في قضية نتنياهو لغاية الان مما يشكل مازقا قانونيا خطيرا ويتناقض مع روح الدستور الاسرائيلي تواجهه كل الدولة الاسرائيلية. كما ان المبررات السياسية التي وضعها نتنياهو للعفو تشكل خلطا غير مسبوق بين القانون الاسرائيلي والحياة السياسية والحزبية والبرلمانية والتي دعت قادة المعارضة الى الطلب من الرئيس عدم منح العفو الا في وجود صفقة تؤدي الى اعتزال نتنياهو للعمل السياسي. ويمكن القول بان طلب العفو المغلف بغلاف سياسي قد اوجد توترا غير مسبوق داخل اسرائيل بين السلطات الثلاثة.

وضعت مبررات نتنياهوغير المقنعة دولة اسرائيل ورئيسها امام مأزقا وحرجا سياسيا لم تواجهه الدولة من قبل. وتمكن نتنياهو من رمي كرته السياسية المثقوبة على الرئيس الاسرائيلي والسلطة القضائية موحيا بان استمرار حياته السياسية يرتبط ارتباطا عضويا بتحقيق الاهداف العليا للدولة اليهودية. وان المصلحة الاسرائيلية تقتضي تخليصه من المشاكل القانونية للتفرغ لمواجهة المشاكل السياسية.

كما ان تدخل الرئيس الامريكي بهذا الموضوع قد زاد الحرج الذي تواجهه اسرائيل واعطى الانطباع ان بقاء نتنياهو يشكل مصلحة ايضا للحليف الاكبر الامريكي.

مما لا شك فيه ان طلب العفو يحمل في طياته مصالح شخصية لنتنياهو غير مصرح بها في الطلب ، وان نتنياهو ما كان ليخطو هذه الخطوة غير المسبوقة لولا وجود مصالح مهمة ومصيرية تهدد مستقبله السياسي والشخصي. ولعل المصلحة الكبرى التي لم يفصح عنها نتنياهو هو ضرورة تحصينه قانونيا قبل قدوم موعد الانتخابات القادمة المقررة في اكتوبر من العام القادم او اجراء انتخابات مبكرة والتي لا يمكن التكهن بنتائجها. ويدرك نتنياهو جيدا ان اي احتمال للخسارة في الانتخابات من دون وجود العفو سيؤدي به الى عالم مجهول سياسيا وقضائيا. وكأنه يريد ان يضمن مسبقا مستقبله السياسي سواءا في حالة الربح او في حالة الخسارة. ولا شك بان فوزه المتمل سيمكنه من الاستمرار دون اخطار المحاكمة وهي القضية الوحيدة التي من الممكن ان تطيح به مستقبلا .اما مع احتمالية الخسارة فان العفو سيمكنه ايضا من الاستمرار في الحياة السياسية وعدم انتهاء عمره السياسي بطريقة مهينة على غرار بعض رؤساء الوزراء السابقين