+
أأ
-

د. عمار النوايسة يكتب : اختلط الحابل بالنابل

{title}
بلكي الإخباري

 

بقلمي: د. عمار النوايسة

لم يعد المثل العربي “اختلط الحابل بالنابل” مجرد حكمة من الماضي… بل أصبح وصفًا دقيقًا لمرحلة يعيشها الوطن، مرحلة تاه فيها الناس بين الحقيقة والزيف، بين من يعمل للوطن ومن يعمل عليه، بين صوت الدولة وصوت من يتسلقون على كتفيها.

اختلط الحابل بالنابل حين تحوّل القبول الجامعي إلى ساحة شكوى، يتحدث الجميع فيها عن “عدالة” مفقودة و”مكرمات” لا يعرف الناس كيف تُوزّع، بينما يستمر الظلم بذات الوتيرة وكأن مستقبل أبنائنا أمر ثانوي لا يستحق الوضوح.

واختلط الحابل بالنابل حين أصبحت بعض الوظائف العامة تُمنح لمن يملك مفتاح الواسطة لا مفتاح الكفاءة، وحين باتت التعيينات تُدار خلف الأبواب المغلقة، في زمن يطالب فيه الأردنيون بأن يكون حقهم واضحًا مثل الشمس لا مثل ظلّ متحرك.

واختلط الحابل بالنابل حين تجرّأ البعض على المال العام، فنهبوا وأفسدوا ثم خرجوا علينا بوجهٍ بارد، وكأن الوطن غنيمة لا أمانة، وكأن الناس لا ترى ولا تسمع ولا تشعر بما يجري خلف ستائر القرارات المرتجلة.

واختلط الحابل بالنابل حين صار التخبط سياسة، والارتجال منهجًا، تُطلق القرارات اليوم وتُلغى غدًا، دون رؤية تحفظ للدولة هيبتها وللمؤسسات احترامها وللمواطن كرامته. وحين يتلقى المستثمرون رسائل متناقضة: ترحيب أمام الكاميرا… وضغوط خلفها، ثم نتساءل لماذا يهرب الاستثمار!

وبين كل هذا، يعلو ضجيج إعلام موجه تارة، ومتحزّب تارة أخرى، يسوّق الوهم ويغطي الفشل، ويخلط ما بين النقد الوطني وبين الهجوم الشخصي، حتى ضاعت الحقائق بين منابر تُدار لمنفعة لا لمصلحة وطن.

ومع ذلك… يبقى الأردن أكبر من كل هذا.
الوطن لا يسقط لأن فئة اختلطت عليها الطرق، لكنه يتعب إذا صمت الشرفاء وتركوا الميدان للمتسلقين. والوقت اليوم ليس لرفع العتب؛ بل لرفع الصوت. ليس للمجاملة؛ بل للمصارحة. ليس لتدوير الزوايا؛ بل لتحديد الاتجاه.

آن الأوان ليميز الأردنيون بين الحابل الذي يبني، والنابل الذي يهدم، بين رجل الدولة ورجل “الصفقات”، بين من يخدم الوطن ومن يخدم جيبه.

فالأردن يستحق وضوحًا… لا ضبابًا.
عدالة… لا محاباة.
كفاءة… لا وساطات.
وطنًا يُدار بالعقول النظيفة… لا بالمصالح المتشابكة.
حفظ الله الوطن وقائد الوطن وولي عهده الأمين