+
أأ
-

لما جمال العبسة : غزة تحت نِيرَيْ «بيرون» والخذلان الدولي

{title}
بلكي الإخباري

لم يكن المنخفض الجوي الأخير «بيرون» الذي ضرب قطاع غزة مجرد عاصفة موسمية عابرة، بل كان امتحاناً قاسياً لإنسانية العالم بأسره، ومع انحسار الغيوم وبزوغ شمس السبت، تكشّف المشهد عن قطاع منكوب؛ السيول غمرت الخيام الهشة، والمباني التي أنهكها القصف الإسرائيلي انهارت فوق ساكنيها، لتتحول الأمطار إلى شريك جديد في مأساة الغزيين. ليست المشكلة في المطر ذاته، وإنما في التعاطي مع نتائجه في ظل العدوان الصهيوأمريكي المستمر، الذي يصرّ على منع وصول البيوت المتنقلة والخيام ذات الأعمدة الحديدية إلى النازحين، لتتعاظم المأساة يوماً بعد يوم.

في أسلوب جديد للقتل، يُترك الناس في العراء يعانون البرد، ويرون في أمطار الخير جزءاً من المأساة، الأرقام وحدها تكفي لتلخيص الفاجعة: أربعة عشر فلسطينياً قضوا خلال يومين، بينهم أطفال ورضع ماتوا برداً، فيما انتشلت طواقم الدفاع المدني جثامين أحد عشر شخصاً من تحت أنقاض ثلاثة عشر مبنى انهارت بفعل الأمطار، أكثر من ربع مليون نازح من أصل مليون ونصف يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية وجدوا أنفسهم في مواجهة البرد والسيول، بينما بلغت الخسائر المادية نحو أربعة ملايين دولار، وارتفع عدد المباني المنهارة إلى ستة عشر.

أمام هذه الكارثة، علت الأصوات مطالبة بإزالة الركام وإدخال بيوت متنقلة تصمد أمام الأمطار، إذ إن إعادة الإعمار تحتاج وقتاً طويلاً، بينما الخيام البالية لا توفر الحد الأدنى من الحماية، ومع أن اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي نص على إدخال شاحنات مساعدات شتوية، فإن الاحتلال يعرقل وصولها، تاركاً آلاف الأسر تواجه التقلبات الجوية بلا سند، والمفارقة أن وكالة الأونروا تمتلك بالفعل خياماً جاهزة لإيواء النازحين، لكن العرقلة السياسية تحرم الفلسطينيين من أبسط مقومات الحياة.

وفي الوقت الذي كان فيه الغزيون يواجهون الموت تحت الركام والبرد، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يؤكد ضرورة امتثال الاحتلال لالتزاماته وفق القانون الدولي الإنساني، وتسهيل وصول المساعدات، خصوصاً تلك التي تقدمها الأونروا، غير أن هذا القرار اصطدم بجدار الرفض الأميركي المتماهي مع الموقف الصهيوني، تحت ذريعة أن «القرار في وقت غير مناسب»، في خطوة تعكس عزلة دولية متزايدة للفلسطينيين، وتظهر مدى ضعف قدرة المجتمع الدولي على حماية أبسط حقوقهم الإنسانية.

غزة اليوم ليست مجرد عنوان في نشرات الأخبار، بل جرح مفتوح يفضح ازدواجية العالم، المطر الذي كان يفترض أن يكون نعمة تحول إلى نقمة، لأنه وجد شعباً محاصراً بلا مأوى ولا حماية، ووجد نظاماً دولياً عاجزاً عن فرض التزاماته، وبينما يواصل الفلسطينيون صراع البقاء وسط الخيام والسيول، يبقى السؤال الأخلاقي والسياسي معلقاً: هل يستطيع المجتمع الدولي أن يترجم دعمه للأونروا إلى فعل ملموس، وهل يملك الجرأة على تجاوز الاجتماعات وتحمل تبعات إدخال المؤن والمساعدات ومنازل الإيواء رغماً عن الاحتلال؟ أم أن الموقف الأميركي سيظل حاجزاً يحول دون إنقاذ ما تبقى من حياة في القطاع؟