+
أأ
-

المحامي سميح العجارمة يكتب ..قراءة اولية في الرسالة الملكية السامية الموجهة لمدير عام المخابرات العامة

{title}
بلكي الإخباري

جهاز المخابرات الأردني لم يكن يوماً دوره روتينياً في مسيرة المملكة الاردنية الهاشمية، بل كان ولا زال يقوم بالمهمات الموكلة له ضمن قانون المخابرات العام رقم 24 لعام 1964 وتعديلاته، وبالاخص القانون المعدل لقانون المخابرات العامة رقم 11 لعام 2020 الذي منح مدير المخابرات العامة صلاحيات رئيس الأركان، وتطبيق القوانين المفروضة على افراد وضباط القوات المسلحة على افراد وضباط المخابرات العامة.





ومدير المخابرات العامة الحالي اللواء أحمد حسني يمتلك من القدرات القيادية والحس الوطني العالي ما يجعل الثقة الملكية به في مكانها الصحيح؛ فعطوفته الأقدر على تنفيذ ما جاء في الرسالة الملكية السامية، وما جاء بها يحتاج الي الكثير من العمل والتخطيط والتنفيذ.





ولقد اقتضت الظروف السياسية والاقتصادية والامنية الاستثنائية التي اجتاحت المنطقة العربية واثرت على الاردن بشكل خاص أن تقوم دائرة المخابرات العامة بمهام ليست من ضمن اختصاصها وتدخل في اختصاص دوائر رسمية أخرى، واحياناً تضطر دائرة المخابرات لتعبئة الفراغ الذي تركه عدم قيام الجهات المختصة بمهامها واختصاصاتها لأن تلك الجهات والمؤسسات إما مقصرة وتعاني من ترهل اداري أو أن القوانين الناظمة لعملها قاصرة وتمنعها من تنفيذ اخصاصاتها بالشكل الاحترافي اللازم للوصول للنتائج المرجوة؛ لذا تقوم دائرة المخابرات العامة باختصاصات تلك الجهات الرسمية لأن عدم القيام بها سيكون نتائجه كارثية على الوطن، وبذات الوقت فإن القيام بتلك الاختصاصات أدى ويؤدي إلى اضطرار دائرة المخابرات العامة لتوزيع قدراتها وجهودها في عدة جهات لتحقيق اهداف خارجة عن اختصاصها كان على المؤسسات صاحبة الاختصاص القيام بها.





وللحفاظ على عودة دائرة المخابرات العامة لتركيز جهودها الوطنية على اختصاصاتها المحددة في قانونها جاءت الرسالة الملكية السامية في الوقت المناسب للحفاظ على العمل المخابراتي الاستخباري الاحترافي للدائرة بما يحقق المصلحة العليا للوطن.





وإشارة جلالة الملك الى انه تم تعديل الكثير من القوانين مما أدى لخلق بيئة تشريعية تسمح للمؤسسات الرسمية انجاز مهامها والقيام بواجباتها واختصاصاتها هي اشارة ذكية تفتح آفاقاً كثيرة لعودة دائرة المخابرات العامة لخندقها القوي الذي يسمح لها بالدفاع عن الوطن دون الانشغال بالقيام بمهام بعيدة كل البعد عن واجباتها نيابة عن الدوائر الرسمية المقصرة بعملها، أو التي كانت تعاني من قصور تشريعي في قوانينها يجعلها تقصر في تحقيق اهداف وجودها كمؤسسات رسمية.





ومثال ذلك – برأيي – واجب مكافحة غسيل الاموال هو واجب البنك المركزي ومديرية الأمن العام والقضاء، البنك المركزي يراقب عمل البنوك والتحويلات المصرفية سواء للبنوك أو للمؤسسات المصرفية الأخرى، واذا اشتبهت وحدة غسيل الاموال في البنك المركزي بتحويلات مصرفية يجب ان تقوم بإخبار المدعي العام الذي سيفتح تحقيق، ويستعين بالامن العام لجلب من يرى واجب التحقيق معهم، والنيابة العامة تصدر قرارات الاتهام اللازمة لتحويل مرتكبي جرم غسيل الاموال الى المحكمة المختصة.





دائرة المخابرات العامة تراقب وتتابع كل ما يتعلق بغسيل الاموال في الاردن عندما كان لا يستطيع البنك المركزي السيطرة على جرائم غسيل الاموال وكشفها، أما الان والبنك المركزي يمتلك التشريعات اللازمة ولديه البنية التحتية الضرورية لمكافحة غسيل الاموال، ويستطيع أن يحيل الى النيابة العامة أي اشتباه بعملية غسيل اموال للتحقيق فيها فلا يجب أن تبقى هذه المهام تشغل جهاز المخابرات العامة الذي لديه واجبات مخابراتية كبيرة اكثر اهمية.





وكذلك مزارع الحق التي اضطرت دائرة المخابرات العامة لاستغلال مساحات شاسعة من الصحراء لتحقيق انتاح زراعي للوطن رغم أن هذا العمل والاستثمار يدخل ضمن اختصاصات وزارة الزراعة، وآن الأوان ان يعود الاختصاص لوزارة الزراعة.





وأجد أن الرسالة الملكية السامية ركزت على تعزيز الامن الوطني، وهو الهدف الرئيسي لدائرة المخابرات العامة، لذلك وعلى سبيل المثال متابعة ملف اللاجئين يكون اختصاص دائرة المخابرات العامة ضمن حدود عدم تسلل مخربين وارهابيين للوطن تحت لقب ( لاجئ )، ولكن معاملات دخولهم للبلد واقامتهم وخروجهم وعملهم او عدم عملهم في الاردن والاستثمار كل هذا ليس من اختصاصات المخابرات العامة، بل هي اعمال روتينية تدخل ضمن اختصاصات وزارة الداخلية، ووزارة العمل، والصناعة والتجارة وهيئة الاستثمار.





والانتخابات بجميع انواعها، نيابية، بلدية، نقابية، طلابية، لها مرجعيات رسمية ليست دائرة المخابرات العامة إحداها، والان توجد الهيئة المستقلة للانتخاب قانونها يسمح لها بمتابعة والاشراف على عدة انواع من الانتخابات.





وحريات التعبير الصحفية والاعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي توجد مجموعة قوانين تنظمها بكفاءة وقوة، وتطبيق هذه القوانين لا يستدعي تدخل دائرة المخابرات العامة التي مهامها أخطر بكثير.





جميع ما ورد في الرسالة الملكية السامية يُنبئنا بإشراقات جميلة تنعكس على الاردن والاردنيين، وبالاخص ما أراده جلالة الملك من دائرة المخابرات العامة بدعوته لنعزيز مبدأ سيادة القانون ضمن المرتكزات الدستورية في المئوية الثانية للدولة الاردنية، لترسيخ قيم المواطنة المنتجة على اساس الكفاءة والقدرة، وهذا يعني بوضوح أنه لا يجب أن تكون هناك موافقات امنية مسبقة من دائرة المخابرات لاشغال اية وظائف سواء بالقطاع العام أو الخاص، بل ان يكون التوظيف مستنداً فقط إلى الكفاءة والقدرة، وهذه تحددها الجهات الخاصة بالعمل وليست دائرة المخابرات العامة.





الرؤية الملكية السامية في الرسالة الملكية تتلخص أن جلالة الملك يريد لدائرة المخابرات العامة أن تتفرغ تماماً لوواجباتها المحددة في قانونها، ويريد جلالته من كل جهة رسمية ان تقوم بواجباتها واختصاصاتها، وعليه سنشهد تغييراً جذرياً على ما اعتدناه من عمل جميع المؤسسات الرسمية واولها دائرة المخابرات العامة الذراع الامني القوي للمملكة الذي بتضحيات قيادته وافراده وضباطه وبشجاعتهم تجنبنا الكثير من العمليات الارهابية والمخاطر.





هذه الرسالة الملكية السامية وضعت أسساً قويةً في مطلع المئوية الثانية لتحقيق انفراج حقيقي في الحريات العامة، ولاحتراف مؤسسي يتمثل برجوع كل اختصاص للجهة صاحبة الاختصاص، وبالتالي الحفاظ على المنجز الأمني وتطويره من خلال دائرة المخابرات العامة التي ستضع الرسالة الملكية موضع التنفيذ لتتخلص من القيام باختصاصات مؤسسات رسمية كثيرة، مما يحعلها اكثر تركيزاً على العمل الامني الاحترافي الذي يحمي الوطن والشعب والاقتصاد والمستقبل، رغم أننا – بحمد الله – لم نشهد يوماً تقصيراً من هذه الدائرة العريقة بعملها الوطني.





( سميح العجارمة )#سميحالبراريالعجارمة