+
أأ
-

محسن رفيقدوست من الحشد إلى الحرس الثوري العراقي

{title}
بلكي الإخباري سمير السعيدي

ما أعلنه الجنرال الإيراني محسن رفيقدوست القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني، وأحد أبرز مؤسسيه في زمن الخميني عام 1979 عن استعداده لتشكيل “الحرس الثوري العراقي” على شاكلة الحرس الإيراني، لم يكن تصريحا إعلاميا عابراً، ولا غير محسوب النوايا والخطط والنتائج.

فالمتتبع لتشكيل الميليشيات الطائفية في العراق، والمرتبطة بفيلق القدس الإيراني الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، سيعرف أن تصريح رفيقدوست يمثل لحظة إعلان الانتقال من مرحلة الميليشيات، التي تسمى بالمفهوم الايراني مرحلة التعبئة (الباسيج) إلى مرحلة “الحرس الثوري”، الذي هو ليس قوة عسكرية وحسب، إنما مؤسسة عسكرية واقتصادية وسياسية مستقلة، لها الكلمة الفصل في التدخل والحسم بكل شؤون الدولة والحكومة والمجتمع. وبالأخص في الأوقات الحرجة وفي النزاعات والتظاهرات الشعبية أيضاً.


الحرس الثوري الجيل الجديد


رفيقدوست الذي ولد في جنوب طهران، وقاد سيارة الخميني لحظة وصوله إلى إيران، وتمّ تكليفه مع آخرين بتأسيس الحرس الثوري الإيراني حتى وصل إلى رتبة عميد وكلف بحقيبة وزير الحرس الثوري، يريد من تشكيل الحرس الثوري العراقي، كما قال، أن يكون نواةً أولى وقدوة تقتدى في المنطقة العربية. وهو بذلك قد أعلن فعلاً عن قطع خطوات كبيرة وعمليّة في تنفيذ مشروع تصدير الثورة الإيرانية، عبر عدد من بلدان المنطقة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن).


واختياره العراق كنواة لتشكيل ذلك الحرس الثوري ليس اعتباطاً، إنما باعتباره الحلقة الأضعف المحكومة بسلطتهم شبه المطلقة على أحزابه وقادته وحكوماته منذ عام 2003 حتى الآن.


ويجده اليوم التوقيت المناسب لإعلان مرحلة تأسيس الحرس الثوري العراقي، لمَ لا والحكومات العراقية المتعاقبة تنقل إلى إيران مليارات الدولارات سنوياً عبر رجالها وقياداتها وأزلامها وأحزابها، لتموّل الأخيرة بها تلك الميليشيات التي أنشأتها على أرض وادي الرافدين، والتي ستنشئ منها كما صرّح محسن رفيقدوست فيالق الحرس الثوري العراقي، ليعيث بالعراق وبالمنطقة مزيداً من التفخيخ والتفكيك، بمباركة أميركية غربية.




"معسكر رمضان يعد من أشهر وأشرس المعسكرات التابعة لفيلق القدس، المشرف والمنفذ لكل عمليات الحرس في العراق، وتتوزع مقاره بين الأحواز وعبادان وقم وكرمنشاه ومريوان، وفي كافة المدن الحدودية المحاذية للعراق، وتتلخص مهامه بتنفيذ العمليات الإرهابية في العراق تحت ذرائع شتى، وتسميها إيران بـ"العمليات الأمنية"

العهد الأميركي الإيراني


الولايات المتحدة التي خلقت الفراغات في أهمّ المناطق العربية، قدّمت بذلك أوّل ما قدمت العراق على طبق من ذهب لمشروع إيران الطائفي التوسعي، ثم أوجدت لها فراغات أخرى في سوريا ولبنان واليمن وغيرها، لتسهيل فكفكة تلك الدول تحت مسمّى الشرق الأوسط الجديد.


ما سرّع بإيجاد حلّ ما لملف إيران النووي المتعثر، لإطلاق يد طهران في المنطقة وتسهيل مشروع الفوضى الخلاّقة. بعض ملامح هذا التشخيص ورد مبكراً في مقالة عنوانها “الحدود الدموية” في مجلة الجيش الأميركي عام 2006، والتي تؤكد مشروع تقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية وإثنية، وليس من سبيل سوى إغراقها في النزاعات والفوضى والأزمات.


العراق وسوريا، من وجهة نظر إيران كما واشنطن، هما المرتكزان الأوليان لترسيم خارطة الشرق الأوسط الجديد، والمنصة الرئيسية لإشاعة الأزمات. ليس هذا فقط، وإنما في منع إمكانية التوصل إلى أيّ حلّ ممكن أو محتمل للصراعات التي تشهدها المنطقة، لتسريع تنفيذ مخطط تفكيكها، وهو ما سمح بتمدد النفوذ الإيراني، بغطاء أميركي، في المنطقة، فطهران تسعى لتصدير ثورتها المنصوص عليه في الدستور، وواشنطن لتعميم فوضاها الخلاقة كردة فعل من بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.


وفي تلك التقاطعات تتضح المرحلة الأمروإيرانية التي تهدف إلى تعميم العنف والطائفية والإرهاب والظلام في عموم الشرق الأوسط، ليتولّى الحرس الثوري الإيراني، بقيادة سليماني، مهمة تنفيذ تلك المرحلة تحت شعار تصدير الثورة.


وبذلك باتت ايران، دون اعتراض من الدول الفاعلة، هي البوابة الرئيسية المثالية في هذا المشروع، لنقل الطاقة والإرهابيين من المنطقة العربية وإليها، وكذلك الحال نفسه مع آسيا الوسطى، لتوفير الدعم اللوجستي والتعليمات لقادة ومقاتلي الجماعات الإرهابية، سنة وشيعة، قاعدة وداعش وميليشيات متعددة الجنسيات والأغراض، مع تسهيلات لتنقلاتها براً وبحراً وجواً.


وهنا لا تكاد تنسى هفوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حين أوصى بإغلاق أكثر من 80 منفذاً بحرياً يشرف عليها رجال الحرس الثوري الإيراني، تلك المنافذ غير خاضعة للقوانين المعمول بها في البلاد. وقد سمّى الحرس الثوري وقتئذ بالإخوة المهرّبين، وفي اللغة الفارسية قال “برادران قاجاق جي”، مشيرا إلى عمليات تهريب للبشر والبضائع من الاقطار الأخرى وإليها. فقامت عليه قائمة تصريحات جنرالات الحرس الثوري ولم تقعد، واتهموه بالانحراف عن الثورة، فسارع نجاد إلى الاعتذار في أكثر من مكان وأكثر من مرة.















رئيس الحكومة حيدر العبادي محكوم بالنفوذ القوي للميليشيات التي أسستها إيران في العراق، والتي تعلن ولاءها المباشر للخامنئي









الحرس الثوري الإيراني في العراق


فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني في العراق والمكوّن من عدد غير قليل من الميليشيات الطائفية العراقية، هو المؤهل لتشكيل قوى الحرس الثوري العراقي الذي أشار إليه الجنرال الإيراني المؤسس لهذا التشكيل في إيران أصلا، والمنتشر في العراق منذ العام 2003 وفي جميع المحافظات تحت يافطات ثقافية ورياضية وتراثية ودينية.


وقد باتت ميليشيات تلك المراكز واليافطات الذرائعية متأهبة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لتنفيذ انقلاب مباغت في بغداد وقت تشاء على الحكومة الكرتونية الحالية، كما السابقة. ليفرض الحرس الثوري (العراقي) هيمنته التامة على البلاد، كما في إيران، ويقوم بتنصيب قادة تابعين لها كبدائل للقائمين على الوضع الآن (المالكي أنموذج جاهز).


من هنا نرى سعي الإيرانيين في العراق وسعي من معهم، وهم كثر وعلى رأسهم هادي العامري، لجعل الحشد الشعبي الطائفي المرتبط بإيران مؤسسة عسكرية بديلة عن الجيش العراقي ومنحها امتيازات اقتصادية وسياسية لا يعلى عليها، وهذا هو مطمح ايران الأكبر في العراق، والمخطط الذي يمتد الى المنطقة العربية برمتها. وليس في بلاد الرافدين فقط.


فالحرس الثوري العراقي الموجود على الأرض، والذي ينتظر فقط إعلان تدشينه، مكوّن من عدة تقسيمات ومحاور. في الشمال يشرف عليه العميد الإيراني شهلايي، وفي محافظات الوسط العراقي كان يشرف عليه العميد حميد تقوي، الذي قتل في أحداث سامراء عام 2014 وعيّن آخر بديلا عنه.


يحاسب ولا يحاسب


أحداث سامراء آنذاك أعلنت واشنطن مسؤولية إيران عنها، وسلمّت المالكي وثائق تثبت ذلك، ولم يتجرأ أحد من قادة العراق الجديد على إعلان أيّ شيء يتعلق بتلك الحقيقة.


أمّا محور الجنوب العراقي فيشرف عليه العميد أحمد فروز نده. وفي التفاصيل، وبشكل غير معلن، تدير الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق، التي بيدها المال والسلطة والنفوذ، تلك المحاور والتشكيلات، بالإضافة إلى منظمة بدر التي يقودها هادي العامري، إيرانية الولاء والتبعية منذ نشأتها، والمتنفذة في كل دوائر الدولة، من الداخلية والدفاع إلى رياض الأطفال.


مكتوب على هويّات غالبية منتسبي هذه الميليشيات في الأعلى “يُحاسِب ولا يُحاسَب”. ورغم أنها صادرة من إيران، إلا أنها تصادر حريّة وكرامة أيّ مواطن عراقي، أو موظف أو شرطي مرور يحاول اعتراض أحد من هؤلاء باسم القانون .




"الجيش الذي يشير إليه الجنرال الإيراني المؤسس للحرس الثوري في إيران أصلا، منتشر في العراق منذ العام 2003 وفي جميع المحافظات، تحت يافطات ثقافية ورياضية وتراثية ودينية. وقد باتت ميليشيات تلك المراكز واليافطات الذرائعية متأهبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتنفيذ انقلاب مباغت في بغداد"

يضاف إلى ما سبق حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق التي تتبع قيس الخزعلي، ومجموعة الشيباني لأبي مصطفى الشيباني، وحركة 15 شعبان، وحركة سيد الشهداء، والاتحاد الإسلامي التركماني لعباس البياتي، والمجمع الإسلامي الفيلي، وحركة ثأر الله، وغيرها العشرات.


معسكر رمضان يعدّ من أشهر وأشرس المعسكرات التابعة لفيلق القدس، المشرف والمنفذ لكل عمليات الحرس في العراق، وتتوزع مقاره بين الأحواز وعبادان وقم وكرمنشاه ومريوان، وفي كافة المدن الحدودية المحاذية للعراق، وتتلخص مهامه بتنفيذ العمليات الإرهابية في العراق تحت ذرائع شتى، وتسميها إيران بـ”العمليات الأمنية”.


أما مركز الخميني للرياضة والثقافة في كركوك، فمن مهامه تجنيد الشباب في الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، بمغريات مالية وطائفية، بإشراف مباشر من قاسم سليماني. لتمكين وجودها في المنطقة وامتداداتها نحو الموصل والحدود العراقية السورية، بهدف دعم نظام الأسد بالسلاح والمال والميليشيات.


هذا المركز (الثقافي الرياضي) تابع لمركز المبين العسكري، المرتبط بمعسكر رمضان المذكور آنفاً. وقد عرف عن مركز الخميني الرياضي الثقافي هذا، تجنيده للجواسيس والعملاء المتنفذين بأغلب دوائر ومؤسسات الدولة في كركوك وجوارها، لمهام مختلفة تخدم تطلعات إيران وانتشارها في المنطقة.


أما مركز الكوثر للثقافة والتراث والذي له في كل مدينة عراقية مبنى، فيشرف عليه ضابط إيراني يدعى منصور حقيقتجو، وهدفه المعلن إعمار الأماكن الدينية والتراثية، لكنه في الواقع يجند الميليشيات الطائفية لتأسيس ما يدعون إليه اليوم بالحرس الثوري العراقي.















الإيراني قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية في مختلف مناطق العراق، وحتى يأخذ وجوده شرعية أعلن وزير الخارجية العراقي الجعفري مؤخراً عن تعيين سليماني مستشاراً للحكومة









مركز المبين مختص كمؤسسة دينية بعلوم القرآن، لكنه في الواقع يدير أكثر من ثلاثين فضائية طائفية في العراق، ويشرف عليه العميد الإيراني أبطي، وتحت سلطته أكثر من مئة أستوديو لإنتاج وطبع الأقراص الليزرية الطائفية التي تخدم مشروع الحرس الثوري الإيراني وتطلعاته في المنطقة وليس في العراق وحسب.


مركز المبين تحت سلطته كذلك العديد من شبكات النساء والشباب المجندين لخدمة المشروع الإيراني التوسّعي في المنطقة. وينشط هؤلاء في الجامعات والمساجد والتجمعات الاجتماعية في جميع المحافظات العراقية. وتتفرّع منها وتعمل تحت إمرتها فروع ومراكز أخرى، كالهلال الأحمر الإيراني ومؤسسة الأمين ولجنة أحباب الخميني وغيرها.


أزمات إيران


كل تلك الميليشيات لا بد لها من قاسم مشترك يجمعها بقوة موحدة وقيادة مشتركة تابعة لزعامة الوليّ الفقيه، الحاكم الأعلى لقوى الجيش والأمن، ليكون اسمها في العراق كما أعلن الجنرال المؤسس محسن رفيقدوست “الحرس الثوري العراقي”.


لكن ما لم نسأله بعد، هل يمكن لطهران فعلا بظروفها الراهنة الاستمرار بدورها الذي رسمته لها واشنطن؟ وهل يمكنها التغطية على أزماتها الفعلية الداخلية الكبيرة إلى أبعد من ذلك؟


الأزمتان الاقتصادية والاجتماعية الخانقتان، ناهيك عن التفاقم الكبير للازمات المزمنة المتعلقة بالقوميات والطوائف والمذاهب والشعوب الأخرى التي تقطن نفس الجغرافيا الإيرانية، والمؤهلة لأن تنفجر كبراكين يصعب إخمادها في عمق الداخل الايراني وفي أيّ لحظة، تضطر رفيقدوست إلى القول، صيف العالم الماضي، إن إيران والغرب توصلا إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني، لكن هذا الاتفاق لن يغير سياسة إيران تجاه أميركا. مضيفاً “لن نترك شعار الموت لأميركا ما دامت واشنطن تواصل سياساتها العدوانية والهمجية ودعمها للإرهابيين في المنطقة”.


العرب اللندنية