د.عبدالله الطوالبة يكتب ..مسؤولية مكافحة الوباء!

بعد سريان الحظر قبل عام تقريباً، كإجراء وقائي من "كورونا"، شاركت في مناسبة فاقترب مني أحدهم مادَّاً يده للمصافحة، التي لا بد وان يصحبها التقبيل، فاعتذرت وقلت: سلام كورونا. غضب الرجل، ورد بنبرة استنكار لا تخلو من احتجاج، قائلاً من فوره: "انت مصدق انه في كورونا؟!"
لا جدوى من الرد على ردَّةِ فعل كهذه، فمن العبث اضاعة الوقت في نقاش حول وجود الشمس وعدمه، وهي في رابعة نهار تموزي.
وفي أكثر من مرة، تعرضت لسؤال مباشر : هل بالفعل يوجد فيروس كورونا، أم أن الموضوع مفبرك من ألفه إلى يائه؟!
هنا، نستحضر نظرية المؤامرة، التي لها تردداتها في بقاع الكرة الأرضية كافة، وإن كان نصيبها في أنماط تفكيرنا، في العالم العربي، وافراً. ومن تجلياتها المضحكة المبكية، أن الفيروس يستهدف المسلمين دون غيرهم، واللقاح يحوي شريحة صغيرة توضع داخل الجسم للتحكم بالأشخاص، ثم التخلص منهم عن بعد في وقت ما. ومع بدايات ظهور الفيروس وتفشيه في أوروبا، تم الترويج لمخطط متوهم لتقليص عدد سكان الأرض إلى 500 مليون انسان يبدأ بالتخلص من كبار السن.
ربما تقلصت اعداد من يفكرون على هذا النحو تجاه الفيروس اللعين، لكن هناك من لا يزال يُنفي وجوده، ومن لا يزال يحتفي به ك"عقاب إلهي للكفار" . هؤلاء من العبث الطلب إليهم الالتزام بإجراءات الوقاية. وقد أنعشت طرائق التفكير هذه، الاتهامات المتبادلة بين أميركا زمن ترامب والصين بخصوص المسؤولية عن ظهور الفيروس. وأكسبتها بعض مشروعية، الإختلافات في وجهات النظر بين الأطباء المختصين على مستوى العالم حول طبيعة الفيروس، هل اصطنعه البشر في سياقات الحرب الجرثومية، أم أنتجته الطبيعة في نطاق طبائع أمورها؟!
وفي دواخل النفس البشرية، بمقدورنا التقاط سبب آخر لعدم الإلتزام بإجراءات الوقاية من كورونا، على مستوى العالم كله، بهذا القدر أو ذاك. فمن طبائع البشر، الميل إلى مناكفة السلطات ومخالفة ما يصدر عنها، حتى لو كانت سلطات منتخبة في دولة ديمقراطية. فكيف عندما تكون سلطات استبدادية غير عادلة، وفوق هذا، فاسدة في نظر شعبها؟
ومن الخصائص الملازمة للنفس البشرية أيضاً، الإستهتار واللامبالاة. ففي كل مجتمع لا بد من وجود نسبة من المستهترين واللاإباليين. ومن تجليات الاستهتار واللامبالاة، عدم الإلتزام بالتباعد الجسدي في الأماكن العامة والتجمعات، ناهيك بالتراخي في ارتداءِ الكمامات.
كما أن تداعيات الجائحة، تدفع في ظروف معينة إلى التمرد على اجراءات الوقاية، وعلى وجه التحديد، العزل والإغلاق. فقد أصيب الناس بالملل، نتيجة طول مدة المكوث في المنازل، وهم بطبعهم لا يطيقون تقييد حريتهم حتى لو كان لصالحهم. ولا ننسى تقاصر جهود الجهات المسؤولة دون توفير الحماية الإجتماعية الكافية لتغطية كلف التعطيل، ناهيك بتخبط الحكومات في إجراءاتها والتناقض في تصريحاتها ذات العلاقة. وفي السياق، نرى أن ما نحن بصدده يفرض التذكير بعادات اجتماعية تتفرد بها مجتمعاتنا العربية وتساهم بنشر الأوبئة والأمراض، ومنها التقبيل أثناء السلام وتكرار المصافحة أكثر من مرة في اليوم الواحد. وسنرفع القبعات يوماً ل"كورونا"، إذا قُيض له أن يشذب عاداتنا في هذا الجانب، وعلى وجه التحديد تخليصنا من التقبيل، وارغامنا على تجاوز المبالغة في المصافحة.
لكن في مجمل الأحوال، لا شئ يبرر التهاون في مكافحة الوباء، لأن الكلفة ستكون باهظة على المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة بعد ظهور السلالات المتحورة سريعة الإنتشار.
لقد أكدت تجارب الإنسان في التعامل مع الأوبئة عبر التاريخ، أن الوعي حجر الأساس في نجاح جهود مكافحتها والسيطرة عليها. الوعي، يبدأ بإدراك مخاطر الوباء وتداعيات تفشيه. وقمة الوعي، تتجلى في تحمُّلِ كل فرد مسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه. وتتمثل المسؤولية بداية، في الإلتزام بإجراءات الوقاية، وعدم الإنسياق وراء توهمات التفكير التآمري، ثم الإقبال على المطاعيم.
بغير ذلك، ستطول إقامة فيروس كورونا وسلالاته المتحورة في ربوعنا، بكل ما تستصحبه هذه الإقامة من تداعيات غير سارة.
ونختم بالإشارة إلى أن أقل من 7% من الأردنيين سجلوا لتناول مطاعيم كوفيد 19، حتى كتابة هذه السطور. وفي الكيان، تناول المطاعيم أكثر من أربعة ملايين شخص، فيما تجاوزت النسبة 75% من السكان في عدد من الدول المتقدمة.



















