محافظة دمشق للدمشقيين : أقفلوا محلاتكم وناموا باكراً!

أصدرت محافظة دمشق مساء السبت قراراً يقضي بتحديد مواعيد افتتاح كل الفعاليات والنشاطات والصالات وإقفالها، وبالمجمل كل ما يتعلق باستمرارية الحياة الطبيعية بشقيها: الاضطراري والترفيهي، على أن يبدأ التطبيق اعتباراً من صباح الثامن من آب (أغسطس) الجاري.
القرار جاء عبر صفحة "المكتب الإعلامي لمحافظة دمشق" على موقع فايسبوك، وحمل جملةً من القرارات، ضمنها تحديد افتتاح الأسواق في التاسعة صباحاً وإغلاقها في الثامنة مساء، أما محال بيع الخضر والفواكه والمواد الغذائية فمن الثامنة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً، فيما حددت ساعات عمل المطاعم والحانات والملاهي والبارات وكل ما يتبعها من التاسعة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل.
والمشكلة الأهم بحسب البعض هي الطلب من صالات الأفراح الإغلاق عند الثانية عشرة ليلاً، وهو ما يعتبر بحسب كثيرين معضلة على اعتبار أنّ الأفراح السورية في مجمل المحافظات تستمر حتى قبل الفجر بقليل، ما يشكل طعناً للعادات المحببة بالدرجة الأولى، والاستئثار بمنع الفرح ثانياً.
وجاء في القرار السماح لمحلات بيع الحلويات والمثلجات والعصائر بالعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ليلاً، والأندية الرياضية من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة ليلاً، ومحلات الحلاقة من التاسعة صباحاً حتى التاسعة ليلاً، مع تقيدها بالعطلة الإجبارية وهي يوم (الإثنين) من كل أسبوع.
ونص القرار أيضاً على منع عمل مقاهي الانترنت بعد الثامنة ليلاً، وبالنسبة الى الأكشاك فمن المسموح افتتاحها من السادسة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً فقط.
ولفت القرار المنشور إلى تكليف قسم شرطة محافظة دمشق القيام بجولات يومية لمتابعة التنفيذ، وفي حال وقوع أي مخالفة سيصار إلى تنظيم الضبوط القانونية اللازمة استناداً إلى القرارات الناظمة.
ولم تمض ساعات على إعلان القرار حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بالتعليقات عنه. ورغم الأصوات القليلة التي حاولت أن تقرأ القرار من زاوية إيجابية، إلّا أنّ السواد الأعظم من السوريين أبدى حنقه وغضبه بلا خوف أو مواربة، فيما راح سوريون آخرون يتندرون على القرار باختلاق نكات كانت كفيلة بكسر حدة الموقف والغضب العام إلّا أنّها لم تغير من آراء المعترضين.
الصحافي حيدر مصطفى علق على القرار قائلاً: "ما هي الفكرة؟ اصدرتم قراراً اصدروا تبريره معه، أي ما هي الأسباب الموجبة له؟، هذه القرارات ليس لها أي معنى أو أثر إيجابي". وأضاف: "لا يحق لكم أن تحددوا لنا متى ندخل المطاعم… ألا يكفي أنكم بعتم كل شوارع المدينة لشركة خاصة (باركينغ) وهذه الشركة تنهكنا بالدفع كل يوم"، وتابع:" أنهم كمحافظة مهمتهم تسيير أمور الناس وتقديم الخدمات لهم لا تحديد أوقات تحركات الناس"، وختم تعليقه بالقول: "ما أبشع الاستبداد".
"النهار العربي" تحدث إلى بعض أصحاب المحلات في دمشق ليتضح أنّ القضية في الشارع أكثر جدية بكثير منها على الفايسبوك. ففي الشارع يقبع المتضررون من هذا القرار بلقمة عيشهم ويومهم.
ماهر عازار صاحب كشك في الشيخ سعد، أحد أنشط أسواق دمشق، يقول: "أتناوب على هذا الكشك أنا وأخي الموظف على فترتي عمل، يوم أمس اجتمعنا مع بعض معارفنا وأقراننا في العمل ولم نصل سوى الى نتيجة واحدة، ما يحصل الآن هو قرار جباية بطابع قانوني يفتح أبواباً جديدة من القهر قبل الفساد".
مازن – اسم مستعار لصاحب بار- في دمشق القديمة تحدث إلى "النهار العربي" وشرح المشكلة التي سيخلفها هذا القرار: "الحمد لله حانتي من أنشط حانات دمشق القديمة، أقصد أنّها كذلك حتى الآن، ولست متأكداً إذا ما كانت ستظل كذلك بعد هذه
القرارات، المشكلة أننا ومعظم الحانات لدينا عمال بنظام ورديتين، ونفتح أبوابنا للرابعة فجراً أو بعد، بحسب الإقبال والظرف والمناسبة، ولكن غالباً لا نغلق قبل هذا الوقت. الآن سيجبرنا هذا القرار على الاستغناء عن وردية من العمال طالما أننا سنغلق مبكراً، لاسيما أننا أساساً لا نفتح باكراً. ومن الطبيعي أن يكون كل رواد الحانة في الفترة المسائية، المهم في كل هذا هو كم من عائلة سيقطع رزقها بسبب قرارات غير مدروسة كهذه".
علي زرزور قال ساخراً: "البلد في قمة النشاط والحيوية والرخاء الاقتصادي ونحن فعلاً بحاجة لراحة اجبارية". ويتساءل عن عدد الأسر التي انقطعت أرزاقها باعتبار أنّ الناس تعمل 24 ساعة وليس معها مال لتأكل فكيف الحال بعد هذا القرار؟.
ومثله الموظف وسيم الورد الذي وجه سؤالاً الى المحافظة يقول فيه: "هل من أصدر هذا القرار هو اقتصادي أو خبير أسواق لكي نناقشه بالعلم والمنطق؟، مع العلم أن 70% من الأسواق تعمل وتنتعش ليلاً".
سوريون آخرون راحوا يسخرون من القرار بطريقتهم ليقينهم أنّ إمكان الإصلاح في بلدهم صار معدوماً. يقول المهندس عمار بيطار: "قرار حكيم لأنّه في المزارع لا يسمح للقطيع بالبقاء خارج المزرعة ليلاً".
وقالت راما حناوي: "هل تسمحون لي بالتنفس بعد الساعة الثامنة في حال لم يكن هناك ضغط على الأوكسيجين"، فيما تساءل ينال اسبر موجهاً كلامه إلى "مقام المحافظة الموقر" إن كان بإمكانه الاستحمام هذه الليلة أم غداً. فيما بدا أنّ معاناة الصيدلاني محمد زين أكبر إذ أنّه لا يعرف الوقت المسموح له فيه بالحركة بخاصة أنّ سيارته "لونها كحلي".
أما خريج الاقتصاد فراس نوشكا فقد فند القرار على الشكل التالي: "دخل إضافي لرجال الشرطة وشرطة المحافظة، وباب رزق جديد لأنّ رواتبهم لا تكفيهم، ومن ثم تحقيق وفرة بالكهرباء وتحويلها الى المواطنين بعد الثامنة مساء (ساخراً)، وبالضرورة دفع الناس للعودة إلى منازلهم خوفاً من الكلاب الضالة ليلاً، وأخيراً تطبيق شعار ضرورة النوم والاستيقاظ باكراً".
ويأتي هذا القرار في وقت تعيش فيه دمشق أسوأ أيامها الاقتصادية والاجتماعية على الإطلاق بالتزامن مع غياب شبه تام للكهرباء والمياه والموارد الأساسية وفرص العمل وتفشي الفقر والبطالة ومخلفات ما بعد الحرب التي لا تنذر بأن القادم أفضل.
المصدر النهار اللبنانية



















