+
أأ
-

أ- د- صلحي الشحاتيت يكتب - الإدارة الفاشلة: بين غياب الرؤية واستدامة الإخفاق

{title}
بلكي الإخباري

 

في زمن تتكاثر فيه التحديات وتتداخل فيه أدوات الإدارة الحديثة، باتت كفاءة القيادة عنصرًا مفصليًا يحدد مسار المؤسسات بين النجاح والتراجع. فنجاح الإدارة لا يُقاس بعدد القرارات الصادرة أو صخب الاجتماعات، بل بمدى اتساق الرؤية، وعمق التخطيط، ونضج التنفيذ. أما حين تتوارى هذه المبادئ خلف العشوائية، وردود الأفعال، وغياب البناء المؤسسي، فإن ملامح الفشل سرعان ما تطفو على السطح.

من أوضح مؤشرات الإخفاق الإداري غياب التصور الاستراتيجي الممتد، والانغماس في معالجة الأزمات بدلًا من استباقها. هذا القصور يُفضي إلى اختلال في ترتيب الأولويات، ويجعل المؤسسة تائهة بلا بوصلة. كما أن هشاشة عملية اتخاذ القرار، وغياب الاستناد إلى أهل الخبرة والمعرفة، يؤديان إلى قرارات انفعالية تفتقر إلى النضج، وتُبدّد الطاقات والموارد.

وفي هذا السياق، تبرز ظاهرة تستحق التوقف والتحليل، تُعرف بـ “متلازمة ترامب”، وهي نمط إداري يتّسم بالتسرّع في اتخاذ قرارات مصيرية دون تمحيص أو تشاور، ثم التراجع عنها سريعًا بعد انكشاف آثارها السلبية. وليس في هذا السلوك ما يُعبّر عن مرونة عقلانية كما قد يُظن، بل هو تجلٍّ لعجز عن التقييم الرشيد، وغياب لمنهجية متوازنة في صنع القرار. وعندما يتكرّس هذا النهج، تتحول الإدارة إلى مصدر قلق واضطراب، وتفقد المؤسسة ثقة العاملين والشركاء على السواء.

كما تُعاني الإدارات المتخبطة من ضعف جسيم في آليات التواصل الداخلي والخارجي، وغياب الشفافية، مما يُنتج بيئة يهيمن عليها التوتر، وتذبل فيها روح الفريق، ويزداد فيها نزيف الموارد البشرية والمعنوية. وتتجلى الأزمة بوضوح حين تُستبدل الكفاءات بالولاءات، والمصلحة العامة بالمكاسب الضيقة، فتفقد المؤسسة بوصلتها الأخلاقية والمهنية.

في المحصلة، الإدارة ليست أداة للهيمنة، بل مسؤولية تتطلب علمًا ومهارة ورؤية. والمؤسسات التي تُدار بذهنية ارتجالية، وتكرر إخفاقاتها دون مراجعة أو تصويب، تسير بثبات نحو الانحدار البطيء في الثقة، والأداء، والشرعية.

أ.د. صلحي الشحاتيت

*أستاذ الكيمياء – جامعة مؤتة.

*رئيس سابق لجامعة العقبة للتكنولوجيا.