هاني الدباس يكتب : رم مدينة السينما العالمية .. اين هي الان..؟

عندما تقف في وادي رم، وتشاهد الرمال تمتد بلا نهاية، تشعر بأنك في عالم آخر… الجبال الحمراء، الأخاديد العميقة، والفضاء الصافي يمنحك انطباعًا بأنك داخل مشهد سينمائي حي هكذا على الاقل التقطه العالم مبكراً..فهذا الموقع الفريد، وادي القمر، لا يتمتع فقط بجمال طبيعي خلاب، بل خصائصه النادرة جعلته مقصدًا وحلماً لصنّاع السينما في العالم.
فيلم The Martian (المريخي) استخدم تضاريس وادي رم ليُجسد سطح كوكب المريخ، بينما Dune صوّر فيه عالمًا صحراويًا فريداً. قبل ذلك بكثير كان لورنس العرب (Lawrence of Arabia) يُدخل الوادي في ذاكرة السينما العالمية منذ ستينيات القرن الماضي، بل فتح الباب أمام المخرجين لاكتشاف هذا الموقع الفريد.
رغم هذه المكانة، لم يتم حتى اليوم استثمار وادي رم كمشروع متكامل لصناعة السينما ، لا مدينة متخصصة، ولا استوديوهات دائمة، ولا مسارات إنتاج منظمة.
ان ما تحقق هو مجرد استغلال محدود لمواقع التصوير، دون أن ينعكس في مشروع تنموي دائم أو اقتصاد محلي مستقر.
إذا تأملنا الإمكانيات الاقتصادية الكامنة في هذه البلاتوهات والفضاءات السينمائية المفتوحة، نجد أنها تتجاوز مجرد جذب كاميرا أو فريق تصوير بل محاكاة لأحلام كبار مخرجي السينما في العالم من أمثال ديفيد لين وستيفن سبيلبيرغ وغيرهم.
ان تحويل وادي رم إلى مدينة سينمائية متكاملة يعني خلق منظومة اقتصادية متكاملة اساسها صناعة السينما العظيمة .
ستزداد حاجة لتوظيف أعداد كبيرة من العاملين المحليين في جميع مراحل الإنتاج كما هو الأمر في مدن سينمائية متكاملة في المغرب حيث تتداخل الصناعة السينمائية مع خط من الصناعة السياحية الهائلة للمملكة .
ان وجود بنية تحتية خاصة بصناعة السينما، مثل الاستوديوهات، ومراكز التدريب، ومواقع التصوير المجهزة، سيجعل من الأردن وجهة مفضلة لشركات الإنتاج العالمية، ما يجذب استثمارات مباشرة تُضخ في السوق المحلي. وتكفي الإشارة إلى أن بعض الإنتاجات التي صُوّرت في الأردن سابقًا ضخت ملايين الدولارات خلال أسابيع قليلة، ما يدل على حجم العائد الممكن في حال توفرت بنية تحتية مستدامة.
هذا النوع من الانتاج يفتح بابًا واسعًا أمام نوع جديد من السياحة .. السياحة السينمائية حيث يسافر ملايين الزوار لزيارة مواقع صُوّرت فيها أفلامهم المفضلة كما حدث عقب تصوير فيلم انديانا جونز في البتراء .
نيوزيلندا استفادت من هذا النوع من السياحة بعد ثلاثية The Lord of the Rings، حيث أصبحت مواقع التصوير وجهة سياحية قائمة بحد ذاتها.
اما في رم، فيمكن تهيئة مسارات سياحية مخصصة لزيارة مواقع التصوير، وإقامة مهرجانات سينمائية، وعروض مفتوحة في قلب الصحراء، مما يزيد من مدة إقامة الزائر ومعدّل إنفاقه، ويعزز النشاط السياحي على مدار العام.
ان التحول نحو هذا النوع من الصناعة سيُسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على قطاعات مثل الزراعة أو السياحة الموسمية فالسينما نشاط متواصل لا يرتبط بفصول السنة أو الظروف الجوية، ويمكن أن يُشَغِّل الاقتصاد المحلي بشكل مستمر ، كما أن إنشاء مدينة سينمائية سيحفز تطوير البنية التحتية في المنطقة من طرق، وكهرباء، وخدمات اتصال، ومياه، ومطارات. فهذا التطوير لا يخدم فقط المشروع، بل يعود بالنفع على المجتمعات المحلية.
إلى جانب الفوائد الاقتصادية المباشرة، هناك مكاسب ثقافية وإعلامية لا يمكن تجاهلها ، فظهور بلد ما في أفلام سينمائية عالمية، يشكل أداة دبلوماسية للقوى الناعمة، تعكس صورته بطريقة غير مباشرة وتؤثر في الرأي العام العالمي.
وادي رم قادر على أن يكون واجهة حضارية للأردن، تظهر للعالم التنوع الطبيعي والثقافي الذي يمتلكه، وتكسر الصور النمطية المرتبطة بالمنطقة.
كما أن المشروع قد يُسهم في نهضة ثقافية داخلية، من خلال تشجيع شباب الأردن على دخول صناعة الأفلام، بل ان وجود مدينة سينما حقيقية سيُولد جيلًا جديدًا من المبدعين، ويوفر بيئة عمل احترافية تساعدهم على تطوير مهاراتهم، وإنتاج أفلام محلية قادرة على المنافسة عالميًا.
وادي رم لا يحتاج إلى التجميل أو التهيئة، فهو جاهز طبيعيًا، يحمل من السحر ما لا تستطيع خلقه أفضل المؤثرات البصرية. ما يحتاجه فقط هو أن نمنحه رؤية وأن نُخرجه من كونه مجرد موقع تصوير، إلى أن يكون فضاءً سينمائيًا دائمًا، يُنتج ويوظف ويُصدّر صورة جديدة عن الأردن للعالم.
الفرصة لا تزال قائمة، لكن الزمن لا ينتظر. السؤال اليوم ليس: “هل نقدر؟” بل “هل سنبدأ؟



















