ماجد الشملان. يكتب : خدمة العلم بين ماضٍ محفور في الذاكرة ومستقبل يحمل الفرصة

لطالما ارتبطت خدمة العلم في الأردن بصورة الانضباط والالتزام، وكانت لسنوات طويلة إحدى المحطات الأساسية في حياة الشباب الأردني. كثيرون من الآباء والأجداد يتحدثون عنها باعتزاز، ويصفونها بأنها "المدرسة التي صنعت منهم رجالاً"، حيث كانت تُمثل نقطة تحوّل في الشخصية، ومكاناً لاكتساب المهارات والانضباط، وربما أول تجربة حقيقية في الاعتماد على النفس.
خدمة العلم في الأردن بدأت كبرنامج إلزامي لكل شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، وكانت تقوم على التدريب العسكري والانضباط الميداني، بالإضافة إلى تعزيز قيم الولاء والانتماء. كثير من الخريجين يروون تجاربهم اليوم باعتزاز، حيث شكلت الخدمة لهم بيئة للتعرف على شباب من مختلف محافظات المملكة، ومجالاً لاكتساب مهارات حياتية لا تُدرّس في المدارس أو الجامعات.
مع مرور الوقت، وبفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، توقفت الخدمة الإلزامية، مما فتح باب النقاش مجدداً حول جدواها، وضرورة عودتها بصيغة تتماشى مع متطلبات العصر.
وبعد إعلان سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحُسين بن عبدالله إعادة خدمة العلم التي تعتبر خطوة كبيرة وقوية في وقت حساس وحرج ، تعود ولكن برؤية جديدة.
فهي ليست مجرد تدريب عسكري، بل أصبحت نموذجاً متكاملاً يجمع بين الانضباط العسكري والتأهيل المهني. الهدف لم يعد فقط إعداد الشاب لخدمة وطنه، بل أيضاً تمكينه بمهارات سوق العمل، وتعزيز فرصه في الحصول على وظيفة.
هذه التجربة تعكس التحول الذي تسعى إليه الدولة؛ فخدمة العلم اليوم لم تعد مجرد واجب، بل فرصة حقيقية للتطوير الذاتي والمهني، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب.
إن نجحت الدولة في تطوير هذا البرنامج وتعزيز محتواه، فسيكون أحد أهم أدوات تمكين الشباب في الأردن. غير أن النجاح يتطلب تكاملاً في الأدوار؛ بين الحكومة، والقطاع الخاص، ومؤسسات التعليم، وحتى الأسرة، لنشر الوعي بقيمة هذه الخدمة ودورها في بناء شخصية الإنسان، وليس فقط في تنظيم وقته.
إن مستقبل خدمة العلم يجب أن لا يُنظر إليه كعبء أو مرحلة مؤقتة، بل كاستثمار طويل الأمد في شباب الوطن، القادرين على قيادة التغيير، إذا ما أُتيحت لهم الفرصة.
خدمة العلم كانت ولا تزال عنواناً للانتماء والالتزام، واليوم تُعاد صياغتها لتلبي متطلبات العصر. وبينما نأمل أن تكون فرصة للتطوير الشخصي والمهني، يبقى السؤال الأهم : هل نحن كمجتمع أردُني مستعدون لدعم شبابنا في هذه الرحلة؟
حفظ الله الأردن وقائده وولي عهده الأمير الامين وحفظ الله شعبه وشبابه وسدد خُطى اجهزتهُ الأمنية .



















