سارة طالب السهيل : الأدب والفن والعنف الأسري (1-2)

العنف الأسري ينتج غالبًا عن عوامل اجتماعية متشابكة، أبرزها التفكك الأسري، الضغوط الاقتصادية، وضعف الحوار بين أفراد الأسرة. كما تسهم الموروثات الثقافية التي تبرر العنف، والتمييز بين الجنسين، في ترسيخ هذا السلوك. غياب الدعم المجتمعي والتوعية يزيد تفاقم المشكلة، مما يستدعي تدخلًا قانونيًا وتربويًا شاملًا للحد من آثاره.
تعددت تعاريف العنف الأسري من كونه يشمل كل فعل أو قول يتصف بالشدة والقسوة ضد أحد أفراد الأسرة، ويلحق به الأذى ماديا أو معنويا أو جسديا وهو محرم شرعا لمخالفته مقاصد الشرائع السماوية في حفظ النفس والعقل.
وعرفت منظمة الصحة العالمية، العنف المنزلي في تقريرها حول العنف الأسري والصحة عام 2002: بأنه كل سلوك يصدر في إطار علاقات حميمية يسبب ضررا، أو آلاماً جسدية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقات، ويتعلّق الأمر بالاعتداء البدني كالضرب بالأيادي أو الأقدام وأعمال العنف النفسي كاللجوء إلى الإهانة والتصرفات السلوكية الجائرة كالعزل عن المحيط العائلي والأصدقاء ومراقبة للحركات والأفعال والحد من إمكانية الحصول على المساعدة أو المعلومات من مصادر خارجية.
ووفقا لهذه التعريفات، فان هذا اللون من العنف يقع في محيط الأسرة بين الزوج والزوجة، ووالدي والاطفال خاصة عند وقوع الطلاق، وبين الأبناء وبين الإخوة،من الأبناء إلى الآباء والأمهات خاصة العجزة وكبار السن.
وهو سلوك عدواني يهدف إلى إثارة الخوف وإلحاق الأذى، وإهانة الضحية وتهديدها وتعريضها لمشكلات عاطفية أو الإكراه الجنسي، وفرض السيطرة عليها بوسائل غير شرعية، وهو ما يؤثر سلبا علي ضحايا العنف الأسري، فيفقدون ثقتهم بأنفسهم وإصابتهم بالعجز عن القدرة على الفعل ورد الفعل، وقد يصلون إلى درجة الاكتئاب؛ مما يتطلب سرعة التدخل الطبي النفسي والعصبي.
دوافع العنف الأسري
غالبا ما يرتبط العنف الأسري بما تشربه الوالدان من العادات والتقاليد الموروثة مثل حق الزوج في السيطرة على حياة زوجته، وما يمنحه المجتمع للرجل من حق الهيبة والمفاهيم المغلوطة التي تربط بين الرجولة والسيطرة بما يمارسه الرجل من عنف داخل أسرته.
ويسهم الوضع الاقتصادي المتدهور في وجود العنف الأسري، خاصة عندما يفقد الزوج وظيفته، أو يفقد ماله في تجارة خاسرة، أو يتعرض لتحديات قاسية فيعمله، فشعوره بالفشل في إدارة أزمته المالية تصيبه بالتوتر والقلق والعجز عن تدبير احتياجات أسرته في مارس عنفا لفظيا أو جسديا غير مقصود لذاته بقدر ما تتنفس عن شدة غضبه.
كما يرتبط العنف الأسري بتعاطي المخدرات والمسكرات التي تحول حياة الأسرة إلى جحيم خاصة إذا بلغ هذا التعاطي حد الإدمان، فتتفقد الأسرة سلامها النفسي والعاطفي وحتى الاستقرار المادي.
تعرض الفرد للعنف في طفولته للإهمال وسوء المعاملة، يدفعه لاحقا إلى تعنيف أسرته، كوسيلة يظن أنها تضبط أمور عائلته.
قسوة القلب: وضعف المشاعر والإحساس بالآخرين، والأنانية وحب الذات تجعل المرء قاسياً مع من يعول فلا يرحم أو يرأف بهم.
الغضب: وسرعة الانفعال وعدم امتلاك النفس تجعل المرء يفقد الاتزان عند حدوث مشكلة فلا يستطيع السيطرة على أقواله وأفعاله، فيضرب ويسب ويصرخ دون تفكر في العواقب.
وبعض المرضى النفسيين والمصابين بالنرجسية يمارسون التعنيف النفسي والجسدي أو أحدهما اتجاه الشريك أو الأطفال، دون أن يشعر بهم أحد، ودون أن يصدق الضحية أحد، وذلك بسبب قدرة المعنف على إخفاء جريمته وإظهار الصورة الوردية أمام المجتمع أو أمام أهل الزوجة على سبيل المثال.
والعنف النفسي من خلال إهانة الشخص وتحقيره، سواء كان ذلك بصورة انفرادية أو أمام الناس، والتعمد بجعل الشخص في صورة دنيئة فلا يسمع إلا اللعن والشتم والكلام الجارح والصراخ، ويحرم من سماع ألفاظ جميلة وعبارات راقية، ويمنع من أي شيء محببا لديه، فيمنع من رؤية أقاربه وأصدقائه والاتصال بالمجتمع، فيتحكم في إرادته، ويدمر علاقاته الاجتماعية، ويشعر الضحية بأنه لا يملك نفسه، وأن هناك شخصية أخرى تتحكم في مشاعره وعواطفه.
ومن صوره أيضا التهديد المستمر للزوجة بالطلاق، أو التهديد بالزواج بأخرى دون إرادة ذلك، أو الإهمال وعدم التقدير لأفراد أسرته.
والعنف النفسي، مثل التعرض لألفاظ مؤذية تقلل من شأن الضحية، كالسب والشتم والقذف، أو بتحقيرهاووصفها بالغباء، ويردد ذهنها هذه اللفظة حتى تعتقد هذا الشيء عن نفسها، ويصبح الغباء جزءاً من صورتها الذاتية.
أيضا العنف المالي: حيث يستخدم المال كوسيلة ضغط وإيذاء على الفرد. أو أن يتسلط الزوج على ما لزوجته، فيأخذ راتبها مثلاً، أو يحرم أهل بيته من الحقوق الواجبة، فيحرمهم من العلاج والغذاء والتعليم، ويحرمهم من الحياة الكريمة مع المقدرة على الإنفاق.
وقد يترتب علي ذلك قيام الضحية بتبذير المال إذا وقع بين يديه لإشباع رغباته التي حُرم منها، ويستخدمه بطريقة خاطئة.
آثار العنف الأسري
يترتب على العنف الأسرى وقوع كوارث اجتماعية أسرية، من أبرزها التفكك الأسرى الناتج عن الشدة والعنف التي ينتهجها الآباء في أثناء التعامل مع زوجاتهم وأبنائهم.
فالعنف المتبادل بين الأزواج والزوجات وانتهاءبالطلاق بالضرورة يفرق أفراد الأسرة، ويزيد احتمال تشرد الأطفال وانحرافهم، خاصة وأن الطفل الذي يعيش في أسرة مفككة يصبح معرضًا لاكتساب السلوك العدواني، فيصير عدوانيًا في الدفاع عن نفسه مع إخوته في البيت ومع زملائه في المدرسة كما يتلف الممتلكات العامة في أثناء مروره بمواقف صعبة يواجهها



















