+
أأ
-

في المسكوت عنه حول الخطر على الأردن

{title}
بلكي الإخباري

 

كتب ضرار البستنجي :- 

مع اقتراب إعلان ترمب عن الخطة الأميركية التي وصفها بالاستثنائية لملفات الشرق الأوسط يستشعر الأردنيون، ككل أبناء المنطقة، تعاظم المخاطر ودنو الاستحقاقات المؤجلة. فالرئيس الأميركي الذي (يبشّرنا) بقرب إعلان خطته لوقفٍ "ملتبس" ، لحرب الإبادة في غزة وتوطئتة لشكل المنطقة القادم هو ذاته من تقود بلاده الحرب الهائلة علينا جميعاً ، وهو أيضاً من (بشّر) بنيّته توسيع (حدود الكيان)، وصاحب مشروع إعادة تقسيم ماقسّمته "سايكس - بيكو" على قواعد دينية وعرقية وطائفية هذه المرة، كما شرح باستفاضة سفيره في أنقرة ومبعوثه الخاص إلى سورية ولبنان وأحد أهم الفاعلين في تنفيذ المشروع القديم المتجدد.

الخطر بات على الأبواب إذاً، والجغرافيا التي لا رادّ لدكتاتوريتها تفرض أن نكون أول المستهدفين في مشروع ("اسرائيل" الكبرى) الذي بُدء العمل على تنفيذه كمرجعٍ لمشروع الوطن البديل الممتد لعقود طويلة، والضربات الموجعة التي تلقتها أطراف محور المقاومة أضعفت فرص كبح جماح المخطط وإشغال العدو، وإسقاط سورية، وما سبّبه من تعاظمٍ لصراع النفوذ عليها واحتلال الكيان لمساحات شاسعة من جنوبها، وتبلور معالم تقسيمها، يشكّل تهديداً جديداً ينذر بتعاظم المخاطر على حدودنا الشمالية، فيما جاء العدوان على قطر، حليف واشنطن المهم، ليؤكد أن المشروع القادم لن يرحم عدواً ولاحليفاً، تماماً كما تُقرأ رسائل التضييق الاقتصادي الممنهج منذ سنوات كاستكمال لمخطط إخضاع الأردن وفرض استسلامه للقادم الخطير.

داخلياً يمكن بسهولة رصد تعبيرات القلق والتحذير في الأوساط السياسية الأردنية، عزّزها تنطّع مسوولين سابقين وشخصيات وازنة في شرح المخاطر والتحذير منها، فيما غاب عنهم وعن الأجواء أي حديث في المهام والحلول واقتراح خطط المواجهة. وحده الملك تحدّث عن الخطر على سيادة الأردن وأمنه وعن الاستعداد لحماية البلاد، فيما خيّم الصمت على الأوساط السياسية التي يفترص ان تضطلع بترجمة المخاطر للأردنيين وباقتراح المهام وشرح الوقائع والتعبئة باتجاه خياراتهم في الدفاع عن وطنهم وأرضهم وثوابتهم الوطنية.

ليس عيباً أن نقول للأردنيين أن البلاد في خطر، سيادتها وأمنها بل ونظامها السياسي وحدودها، بل هو أوجب الواجبات اليوم، وليس منقصةً أن نراهن عليهم في مواجهة القادم الخطير، بل هو الخيار الذي لاغنى عنه، كحقٍ مشرّف لهم وكواجب مقدس للوطن عليهم، سيما وقد تعاظمت الخطوب وتبدّل شكل المعركة وجدوى أدواتها السابقة. العيب الحقيقي والمنقصة هو في إصرار بعض النخب و"المحظيين" في استبعاد الناس من المشاركة في الرأي والنقاش وصولاً إلى الدفاع عن بلادهم ومؤسساتهم والعرش الذي ظل على الدوام محل إجماع، فمابالكم حين تقترب النار من الوطن. المنقصة هي في تغييبنا، نحن العامة، وفي اجتراح هؤلاء أو اقتراحهم حلول تقليدية تجنّبهم الانخراط فيما لم تعد تجدي نفعاً بل وتفاقم انعدام الثقة وتزيد الفجوة وتسهّل على المشروع الخطير المتربص وأدواته في الداخل العبث في كل شيء والتشكيك في كل شيء،.

يحاجج البعض بادعاء أن الأردن محصّن بتحالفاته، وبأن النظام السياسي حصين بشعبيته وخياراته السياسية، ويغيب عن بال هؤلاء دروس التاريخ وعِبر التعويل على الحلفاء؛ حديثاً حيث مصر مبارك وتونس بن علي 2011، وقطر قاعدة العديد 2025، وقديماً منذ الثورة العربية الكبرى والخداع والابتزاز، من خديعة "ديفيد ج. هوغارث" عام 1917 ، وفخ اتفاقية ( فيصل - وايزمن) / 1919 ، مروراً ب"خذلان" (نيكسون - كيسنجر ) في العام 1970، وتلاعب (توماس بيكرينغ - جيمس بيكر) إبان حرب الخليج الأولى 1990، وليس انتهاءً بصفقة القرن "الترامبية" وخطة ترمب لتوسيع حدود الكيان على حساب الأردن و"دول الطوق". أمثلةٌ كثيرة على خطأ الرهان على الخارج أو الحلفاء الغربيين، يعزّزها تساوقهم مع المشاريع الصهيونية القديمة المتجددة، حيث ( حدود الوطن القومي لليهود) التي حدّدتها مبكراً (اللجنة الاستشارية الصهيونية) بتأييد أوروبي أميركي مطلق/ تشرين ثاني 1918 (من نهر الليطاني شمالاً، ومنه خط إلى بانياس السورية فمنابع نهر الأردن، فحدود دمشق إلى الغرب من سكة حديد الحجاز، تحدّه شرقاً مدينة المفرق وجنوباً بخطٍ من العقبة إلى العريش المصرية) قبل أن يتطور اتساعاً ، وحيث يقرّ الأميركيون أخيراً أن كل مايقومون به في المنطقة متصلٌ (بأرض إسرائيل الكبرى) وهو ما أكدته تقارير وتصريحات أظهرتها جليةً خارطة (أرض الميعاد) التي أهداها الرئيس "بوش" لرئيس وزراء الكيان الأسبق "شارون"، والتي تتجاوز الأردن شرقاً لتضم العراق أيضاً، وليس بعيداً عنها ما أورده صراحةً رئيس وزراء الكيان "نتنياهو" في كتابه (مكان تحت الشمس) قبل ثلاثة عقود حول اعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.

الشاهد أن التاريخ لم يُكتب لمجرد قراءته، سيما حين يكون متسقاً مع مسار الأحداث وتطوّر المخططات، وإنما لاستعراضه في الاستدلال على مكامن الخطر وتجارب المواجهة. فإذا كان الحديث عن الخطر على الأردن ، ولئنْ استُنفذ بحثاً وتأكيداً، قد بات يقينياً يلزمه السعي الفوري في سبل المواجهة؛ فإن التأكيد على وقوع الأردن ، جغرافيا ونظام حكم، ضمن المخطط الاستعماري القديم المتجدد، وإنْ استخدمه البعض لمجرد التراشق ومناكفة الدولة أحياناً، يأاي سعياً وراء فتح نقاش مجتمعي واسع، يكون الجميع شركاء فيه، حكومةً وشعباً، موالاة ومعارضة، علنا ننجح معاً في حماية الوطن مما يتهدده وقيمه ووحدته المجتمعية ومستقبل أبنائه.

وإن كان أكثر ماتحتاجه البلاد اليوم هو المكاشفة وتقديم كل الأطراف تنازلاتٍ داخلية، والحديث بشجاعة في المهام لإشراك الجميع في رسم المستقبل؛ فإن أول مايجب الإجماع عليه اليوم هو ضرورة البدء بالتغيير الحقيقي الذي يحقق للأردنيين العدالة والعيش الكريم وحرية التعبير ويرأب الصدع الكبير في الثقة، ويعيد الاعتبار لكونهم العامل الحاسم في الدفاع عن البلاد ومصيرها، وفي الشراكة الحقيقية في الدفاع عن نظامهم السياسي الذي تُباعد بينهم وبينه حكومات ومحظيّون ومنتفعون قد يرى بعضهم في النار المتربصة مصلحةً ذاتيةً أو فئوية تطغى على ماسواها، فيجهدون في خلط المفاهيم وتوصيف الداخل خطراً لابد من تحييده تهيئةً لمواجهة الخارج بدلاُ من الاتكال عليه رأس حربة في ظل شح الحلفاء وتكالب الخطوب.

مع كتابة هذه السطور يهيمن على الأجواء نُذر عنوانين كبيرين؛ تسريباتٌ حول بنود خطيرة ملتبسة في خطة ترمب التي يفترض أن يعلن عنها اليوم بعد لقائه نتنياهو في البيت الأبيض، وإشاعاتٌ أو بالونات اختبار حول قرارتٍ داخلية عميقة سيتخذها الملك في مواجهة ماهو قادم تشمل تغييرات على أعلى المستويات وتكليف لولي العهد بملفات حساسة ومشاريع عميقة تضبط إيقاع الواقع منعاً لأي مخاطر. في الأولى نستنبط فخاً أميركياً خطيراً وتوريطاً للجميع وتحولاً نحو إشعال ساحات أخرى ومواجهات قادمة، ما يستدعي الحذر ومكاشفة الناس ومحاورتهم في الخيارات ووضعهم أمام مسؤولياتهم والرهان عليهم، وفي الثانية نفترض قبولاً شعبياً بكل ما من شأنه أن يجنّب البلاد والعباد ويلات ماهو قادم، فالأردنيون وإن احتملوا كَرهاً تداعيات سنين عجاف سيحتملون بترحاب مزيداً من التضحية والصمود والحرمان حين تأتي في سياق مشروع واضح المعالم يفضي بعد طول صبر إلى واقع جديد يليق بهم. والأردنيون الذين لم يختلفوا حول القصر لن يختلفوا مع خيارات الملك في التغيير الكبير أياً تكن سقوفه، وسيواجهون محاولات الابتزاز ومخططات ليّ ذراع الأردن والعرش … ولطالما اختبرتوهم.

وسيواجهون محاولات الابتزاز ومخططات ليّ ذراع الأردن والعرش … ولطالما اختبرتموهم.