الدكتورة أسمهان ماجد الطاهر :- منع تعارض المصالح

في ظل غياب نصوص قانونية صريحة تنظم وتعالج مسألة تضارب المصالح داخل النقابات المهنية في الأردن، يتوجب علينا اليوم إعادة النظر في التشريعات النقابية بما يضمن تعزيز الحوكمة والشفافية، وحماية مصالح المهنيين وأمانة الإدارة النقابية.
هناك نصوص عامة في القانون الأردني تتحدث عن "التنزه عن الاستغلال التجاري" و"آداب المهنة"، والسلطة التأديبية، وقد تُفسر هذه النصوص على أنها تشمل تقييدًا عمليًا في حالات يُشَك فيها بتعارض مصالح أو استغلال نفوذ.
ولكن عمليًا، هل يُطلب من أي نقيب الإفصاح عن مصالحه، أو يُمنع من التصويت أو اتخاذ القرار في القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على مشروعه، وذلك بمبدأ الحياد وتجنب تضارب المصالح؟
هل من المنطقي أن يمتلك النقيب مشروعًا مهنيًا في نفس النقابة التي يترأسها؟
من حيث المبدأ القانوني/الإداري، في الأردن ذلك ليس ممنوعًا. لكن وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة، من غير المناسب إطلاقًا أن يكون الشخص الذي يُفترض أن يُنظّم المهنة، ويُشرف على الالتزام بالقوانين، هو نفسه طرفًا مستفيدًا من نفس القوانين.
هل يستطيع النقيب أن يكون حياديًا رغم امتلاكه مشروعًا في نفس المجال؟
من الناحية النظرية، ممكن. أما من الناحية الواقعية والسلوكية، فهناك عدة أسباب تجعل الحياد شبه مستحيل، فعمليًا العقل الباطن نفسه لا يساعد على الحياد الكامل إذا كانت قراراته قد تؤثر على مصدر دخله أو منافسيه، حتى لو حاول أن يكون نزيهًا.
هناك دائمًا تصوّر عام لدى الأعضاء بأنه غير نزيه، ما يضر بثقة الأعضاء بالنقابة.
قد يميل — ولو لا شعوريًا — إلى إصدار قرارات تنظيمية (مثلًا: تحديد أسعار، أو منح تراخيص، أو تنظيم المنافسة) تصبّ في مصلحة نوع المشروع الذي يملكه.
ولا ننكر أن هناك من يمتلك نزاهة وقيم مهنية عالية، لكن المنظومة هي من يجب أن تمنع احتمالية الاستغلال، لا أن تعتمد على أخلاق الشخص فقط.
الأنظمة الحديثة تفترض أن الإنسان ليس معصومًا، وقد يتأثر بضغوط مادية أو نفسية أو جماعية، ولهذا يجب أن تكون هناك قوانين واضحة تمنع حتى الشبهة، وليس فقط الفعل.
يُعد مجلس النواب الجهة التشريعية المسؤولة عن سن القوانين وتعديلها، وبالتالي فإن من واجبه طرح هذا الملف في دوراته العادية، والعمل على مراجعة قانون النقابات المهنية بما يضمن معالجة فجوات تضارب المصالح.
كما يمكن أيضًا للأحزاب السياسية في الأردن أن تلعب دورًا مباشرًا وفعّالًا في اقتراح تعديلات على القوانين التي تنظم النقابات المهنية، بما يضمن الدفع باتجاه تشريعات تنظّيم تضارب المصالح داخل النقابات.
الأحزاب يمكنها أن تطالب الحكومة بتعديل قوانين النقابات، فدورها السياسي يسمح لها بالمطالبة والضغط، حتى لو أنها لا تستطيع أن تفرض بشكل مباشر. ولكن يمكن أن تساهم في تشكيل رأي عام أو إعلامي حول الملف، كما يمكنها التحالف مع قوى مدنية، نقابية، إعلامية تضغط باتجاه الإصلاح.
الخطوط العريضة والهدف الأساسي هو منع تضارب المصالح لأعضاء مجالس النقابات المهنية، وخاصة النقيب، خلال فترة توليهم للمناصب النقابية.
ولذلك، فإننا نطالب بفتح هذا الملف تحت قبة البرلمان، وأن يتم اقتراح تعديل تشريعي يُنظم بوضوح العلاقة بين من يتولون المناصب النقابية ومشاريعهم الخاصة.
الهدف الأساسي هو تعزيز الشفافية، ومنع تضارب المصالح داخل النقابات المهنية، وخاصة على مستوى القيادات، وهو أمر ضروري لبناء نقابات قادرة على خدمة أعضائها بموضوعية ونزاهة.
a.altaher@meu.edu.jo


















