+
أأ
-

د. عمار النوايسه يكتب : عندما تتحول المؤسسات إلى محارق بشرية… لا تنتظروا تقدّمًا

{title}
بلكي الإخباري

 

في كثير من مؤسساتنا، ما زالت عقلية الإدارة تعيش في زمنٍ بائد، زمنٍ يُنظر فيه للموظف باعتباره “سلعة قابلة للاستهلاك” لا كقيمة بشرية يُبنى عليها المستقبل. وهكذا تتحوّل أماكن العمل إلى محارق بشرية تلتهم كل موهبة، وكل طاقة، وكل حلم.

إنّ ما يسمى اليوم بـ “حرق الموظف” لم يعد حادثة فردية أو حالة معزولة، بل أصبح نهجًا إداريًا يعكس عمق الفشل في فهم أبسط قواعد الإدارة الحديثة. بدل أن تُحتضن الكفاءات، تُستنزف حتى الرمق الأخير. بدل أن تُنمّى القدرات، تُخنق. وبدل أن يُستثمر الإنسان، يُفنى.

يبدأ الحرق من أول لحظة حين يُكلف الموظف الجاد بأعمال ثلاثة أشخاص، فقط لأنه “لا يرفض” و“يشتغل”. بينما يجلس آخرون في مكاتبهم يمضغون الوقت بلا محاسبة ولا إنتاج. ثم يتصاعد الحرق عندما تُغيّب العدالة، ويُكرَّس مبدأ “اطحن الشاطر… وأكرم المتقاعس”.

وهكذا يُطفأ الشغف، ويُكسر الولاء، وتُهاجر العقول، وتبقى المؤسسات تمشي على عكازة متهالكة من الارتجال والتجريب.

الأدهى من ذلك أن الإدارات التي تحرق موظفيها ثم تتساءل لماذا تتراجع الإنتاجية تشبه تمامًا من يقطع جذور الشجرة ثم يلومها لأنها لم تُثمر!

إنّ حرق الموظف ليس مجرد خلل إداري؛ إنه جريمة بحق رأس المال البشري، واعتداء على مستقبل المؤسسة، وإهدار لموارد الوطن بأسره. فالموظف الذي يحترق لا يفقد طاقته فقط… بل يفقد الثقة بكل منظومة العمل.

المؤسسات التي تريد البقاء، لا بد أن تعي أن الإنسان ليس وقودًا، بل المحرك ذاته. وأن الإدارة التي تحرق موظفيها تمهّد لانهيارها بيدها. وأن احترام الموظف وتمكينه ليس فضلاً، بل الحد الأدنى من شروط النجاح.

فليتوقف هذا العبث. وليرتفع الصوت:

المؤسسات التي تحرق أبناءها لا تستحق أن تقود مرحلة… ولا أن تصنع مستقبلًا.

بقلمي : د. عمار النوايسه