صاعقة الهميسات: نفيٌ بالهجوم يُسقِط هيبة الرد

كتب الناشر - المشهد السياسي الأردني يشهد ، في خضم مسيرة التحديث التي أطلقتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، صراعاً خفياً ولكنه عميق بين رؤيتين متناقضتين لدور الأحزاب السياسية.
هذا الصراع لم يعد مجرد خلاف تكتيكي، بل تحول إلى تباين فلسفي حول طبيعة المشاركة السياسية وحدودها في الدولة الحديثة. وتجلّى هذا التباين بوضوح في الانتقاد الذي وجهه النائب أحمد الهميسات لتصريحات أمين عام حزب عزم، م. زيد نفاع، تحت قبة البرلمان، ليضع بذلك نقطة ارتكاز يتجاوز الأشخاص إلى افكار هامة .
فجوهر انتقاد النائب الهميسات، كما يتبدى من سياق تصريحاته، يظهر رغبة في قوامة سياسية على الأحزاب، حيث يُفترض أن تكون هذه الأحزاب أدوات تنفيذية أو تجمعات وظيفية لا تتجاوز حدوداً مرسومة سلفاً، خاصة فيما يتعلق بالتحليل والرصد والتصريح للقضايا الوطنية الكبرى أو الصلاحيات الدستورية العليا. وهذه الرؤية، التي يمكن وصفها بأطروحة الوصاية السياسية ترى في الحزب كيانا تابعا ، يُسمح له بالمشاركة الشكلية في الانتخابات، لكن يُحظر عليه التفكير المستقل أو النقد العميق الذي قد يمسّ الثوابت أو يثير الجدل حول مراكز القوة. وهذا يعني محاولة لاستنساخ ثقافة سياسية قديمة ترى في الحزب مصدر قلق لا شريكاً في بناء الدولة.
في المقابل، يقف الأمين العام لحزب عزم م. زيد نفاع، ممثلاً لأطروحة التحليل السيادي. فوفقاً لما أشار إليه السياق، فإن نفاع حلل ورجح ونشر بما يتفق مع إيمانه المطلق بأن الأردن قوي ذو سيادة وغير مرتبط بأي أحداث رغم عمقه القومي والدولي وعليه مجلس النواب لن يحل .
هذا الموقف ليس مجرد دفاع عن رأي بل هو تأكيد على أن السيادة الوطنية الحقيقية لا تتعارض مع التحليل السياسي المستقل، بل تقتضيه. إن الحزب الذي يمتلك إيمان مطلق بقوة دولته هو الحزب الذي يجرؤ على ممارسة دوره الفكري والتحليلي دون خوف، معتبرا أن هذا التحليل هو جزء أصيل من دوره في تعميق الوعي الوطني وتحصين القرار السياسي. فنفاع هنا يمارس دور الحزب الحديث الذي يرى في نفسه فاعل سياسي وليس مجرد متلق للتوجيهات.
التناقض الفلسفي بين الرؤيتين يكمن في العلاقة بين السلطة والمعرفة. ففي نموذج القوامة، تُحتكر المعرفة السياسية العميقة لدى السلطة، ويُطلب من الأحزاب الاكتفاء بالمعرفة الوظيفية. أما في نموذج التحليل السيادي، فتُعتبر المعرفة السياسية حق وواجب على الأحزاب، بل هي شرط أساسي لتمكينها من تشكيل الحكومات وقيادة البرامج الوطنية.
وهنا يبرز التناقض الصارخ مع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. لقد قامت اللجنة على أساس فلسفي واضح، وهو التحول نحو أحزاب برامجية فاعلة قادرة على خوض الانتخابات و تشكيل الحكومات أو المشاركة فيها. فالحزب الذي يُراد له أن يشكل حكومة لا يمكن أن يكون حزب خاضع للقوامة الفكرية أو التحليلية.
















