تمارا خزوز تكتب عقبات في وجه المشروع الوطني

يصعب مغادرة هذا العام دون تحليل تحوّلاته الإقليمية والدولية وما تركته من تعقيدات مباشرة على واقعنا الداخلي، ودون مراجعة الإشكاليات التي يقترب بعضها من حدود المأزق أو الأزمات المركّبة. فترحيل هذه الملفات استنادًا إلى تقديرٍ بأن الظرف لا يسمح بالتوسّع أو رفع السقوف في قضايا حساسة، سيعرّضنا لإشكاليات أعمق وأزمات قد لا يكون بالإمكان احتواؤها مستقبلًا.
الإشكالية الأولى- هي عدم وضوح مفهوم الهوية الوطنية لدى الغالبية العظمى، والترويج لفكرة "الإزاحة اليمينية العالمية" (Global Rightward Shift) بوصفها عودةً طبيعية إلى القوميات والدولة الوطنية، مع تجاهل الفارق الجوهري بين اليمين المحافظ (Conservative Right) بمعناه الكلاسيكي—الذي ينطلق من حماية الهوية والخصوصية الثقافية—وبين اليمين المتطرف (Far-Right Extremism) الذي يقوم على العنصرية والإقصاء وخطابات الكراهية. نعم، العالم يشهد تحولات سياسية واجتماعية عميقة، لكن هذه التحولات ليست كتلة واحدة تتحرك يمينًا بدافع الاعتزاز بالهوية الوطنية؛ بل يغلب عليها صعود تيارات متشددة تنتج سياسات تعبئة وتحريض أكثر مما تنتج منظومات قيمية أو مشاريع وطنية.
الإشكالية الثانية-أن أجهزة الدولة أرادت إسناد موقف جلالة الملك بالتصدي لمخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال إيصال رسائل للخارج مفادها أن الأردن لن يكون وطنًا بديلاً، وذلك عبر حواضن شعبية وسياسية هشّة. ما حدث على أرض الواقع أن هذا التوجيه تحوّل إلى فهمٍ مشوّه لدى شرائح شبابية واجتماعية واسعة، فتوجّهت باندفاع غير محسوب لمهاجمة الأردنيين من أصول فلسطينية في مختلف المناسبات بدل توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي. وزاد من هذا التشنّج بروز تيار مقابل أخذ شكل عداءٍ واضح للدولة الأردنية، وقزّم دورها في إسناد غزة والضفة، وشكّك في صدقية موقفها وتقدير محدودية إمكانياتها، وفي قدرتها على التحرك ضمن هامش ضيّق في لحظة تاريخية بالغة الخطورة، فرضتها معطيات جديدة وقواعد لعبة تغيّرت جذريًا في المنطقة.
الإشكالية الثالثة- الحواضن السياسية الهشّة (الأحزاب الكرتونية) التي تلاشت تمامًا، أو بقيت في حالة من عدم التجانس بين كوادرها وتناقضٍ واضح مع مبادئها الأساسية المعلنة، وفقدت بالتالي تأثيرها على قواعدها الشعبية. وفي الوقت نفسه، تتفاقم أزمة الإخوان المسلمين مع بروز بوادر قرار أمريكي باعتبارهم جماعة إرهابية، في خطوة يُرجَّح أن تكون كلفتها على الأردن أعلى منها على مصر ولبنان. وتزداد خطورة المشهد مع احتمالية—في حال حلّ حزب جبهة العمل الإسلامي—ظهور تيار راديكالي إسلامي شبابي غير مؤطر، تفقد قيادات وازنة في الحزب قدرتها على التأثير عليه، والأخطر تحديد عناصره، مما يشكّل بالضرورة مصدر قلق أكبر للدولة على المستوى الأمني. وفي كلا الحالتين نكون أمام أزمة تمثيل شعبي سياسي خطيرة ستزيد من الاحتقان الشعبي وتضعف الثقة في مؤسسات الدولة.
الإشكالية الرابعة-الشيطنة والمحاكمات الاجتماعية والأخلاقية المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مصدرها إمّا لجان خارجية تعبث بالنسيج الوطني، أو حملات عضوية organic يقودها بعض المستفيدين ممن يسعون للفت انتباه الدولة. خطورة هذه الشيطنة أنها تستهدف جهات أو طبقات اجتماعية، وتُظهِرها—من دون وجه حق—بأنها مصدر للفساد؛ مثل قطاع البنوك، ورأس المال الفلسطيني، وشركات القطاع الخاص، والمفارقة أنها الملجأ الوحيد للدولة إذا جفّت منابع المساعدات ومصادر التمويل.
الإشكالية الخامسة: التشوّه الحاصل في العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، والمتمثلة بتدخل والإملاءات التي تمارسها التنفيذية على التشريعية، مقابل ضغط مستمر على الموازنة العامة في بطالة مقنّعة وتعيينات بالواسطة يمارسها غالبية النواب على مؤسسات الدولة، إلى جانب خطابات شعبوية فارغة تجيّش الرأي العام وتبتز الدولة.
الإشكالية الأخيرة-ومن باب التندّر وليس الإساءة، أن يستمرّ بعض السادة الأعيان والوزراء السابقين في حمل عبء توضيح موقف الدولة والاشتباك نيابة عنها، في ظل غيابٍ تام غير مبرَّر لخطاب حكومي ممنهج.



















