قصة رجل الأمن الأمين التي لم تنقل وسائل الإعلام تفاصيلها الدَّقيقة
"عثر المواطن الأردني مُحمّد المدادحة من قرية المرج بمحافظة الكرك على مبلغ مالي وصل إلى نحو 58 ألفًا، مقسَّمة بين 27 ألف دينار أردنيّ و31 ألف ريال يمني، وقام بتسليم المبلغ للجهات المختصّة"، هذه رواية تمَّ تناقلها عبر وسائل التَّواصل الاجتماعي، ثمَّ انتقلت إلى وسائل إعلام محليّة محدودة اعتمدت فيها على الرّواية ذاتها دون أيّ حديث موسّع رُغم أهميّة هذه القصّة للمجتمع.
وتتبّع مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني "أكيد"، المنشور الذي نقلته وسائل إعلام عن مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، ووصل إلى المواطن "أبو سهم" المدادحة والمتزوّج ولديه أربعة أولاد، ويسكن محافظة الكرك، ويعمل بأحد الأجهزة الأمنيّة المختصّة، والذي روى القصة كاملة، مبينًا أنَّه مرَّ عليها نحو أسبوع، ولم يكن في نيّته الحديث عنها لولا أنَّ هناك من أصدقائه وبعض المقرّبين قام بنشرها على منصّات نشر علنيّة، مشيراً أنّ ما فعله هو ما تربّى عليه طوال حياته.
وبيّن أنَّ رجلًا من جنسيّة عربية، كان يقيم في الأردن منذ 15 عامًا في منطقة الموقر شرق العاصمة عمَّان، وقد توفاه الله سبحانه وتعالى في مكان عمله الخاصّ، ويبدو أنَّه يعمل وينام في المكان الذي يعمل به، وخلال البحث عن إثبات له في المكان تبيّن وجود كيس على "السِّدة" بداخله هذا المبلغ من المال، وقام بتسليمه للمسؤولين ليأخذ طريقه إلى صاحب الحق من ورثته الشَّرعيّين.
ونفى أن يكون وضعه المالي سيّئاً وأنَّه لا يجد قوت يومه كما تمَّ تناقله عبر وسائل إعلام ومنصّات تواصل اجتماعي، وأنَّه بفضل الله يعيش كما يعيش كثير من النَّاس ولا يسمح لنفسه بأن يأخذ مال الآخرين والذي هو ليس من حقّه أبداً، مشيراً إلى أنَّ الأمانة ثقيلة وأنَّ المال الذي عثر عليه هو حقّ لأيتام هم اليوم ورثة المتوفى، يرحمه الله تعالى.
وأوضح أبو سهم عبر "أكيد" ردّاً على تعليقات بعض المشتركين على حسابات التَّواصل الاجتماعي والذي قالوا له لماذا قمتَ بتسليم المال للجهات الرَّسميّة؟، وأنَّ عليك الاحتفاظ بالمبلغ فترة من الزمن فإن لم تعثر على أصحابه فإنّه يصبح لك شرعًا، قائلًا إنَّ صاحب المال معلوم ومتوفّى وهو من جنسيّة عربية وله ورثة وهناك صاحب محل قام بتأجيره ولديه كثير من التَّفاصيل، بالإضافة إلى أنَّ هناك طرقًا رسميّة يتم التَّعامل معها، وعلى أقلّ تقدير أن يكون المطلوب مني في هذه المرحلة تسليم الأمانة للمسؤولين.
أستاذ القانون والتشريعات الإعلاميّة والأخلاقيّات الصَّحافية الدكتور صخر الخصاونة قال ل"أكيد"، إنَّ وسائل الإعلام لو قامت بالتَّوسّع في المعلومات والتَّفاصيل فإنَّها ستقدّم معلومات غير مضلّلة للمتلقّين، فالتواصل مع صاحب القصّة والعلاقة سينهي الجدل الخاص بقضيّة أنَّ رجل الأمن الأمين لا يملك قوت يومه، وستجيب عن تفاصيل العثور على المبلغ المالي الذي تبيّن أن صاحبه -يرحمه الله تعالى- معلوم لدى عدد من الجهات.
وبيّن أنَّ التَّعليقات التي تقول إنَّ هذا المبلغ سيذهب إلى جهات غير صاحب الحق فيها وهم الورثة غير صحيح، فالتَّعامل في مثل هذه القضايا يكون بعدَّة طرق قانونيّة ورسميّة من بينها، أولًا أنَّ للمتوفى سفارة بلاده التي سيتم التَّواصل معها عبر وزارة الخارجيّة وشؤون المغتربين، وبالتَّالي سيتم التَّواصل مع عائلته وذويه وهم الورثة الشَّرعيون له.
وأضاف أنّ الاموال المنقولة تخضع لتعليمات وقوانين، وتحتاج إلى فترة تصل 15 عامًا حتى تؤول إلى خزينة الدَّولة، بالإضافة إلى أنَّ المتوفى رحمه الله لديه مالك للمحلّ الذي يعمل به، ويستطيع الورثة عمل وكالة خاصّة له ليقوم باستلام النقود، وإرسالها لهم عبر قنوات العدالة المتعدّدة في الأردن، وأنّ الأمور ليست فوضى كما يتمّ الحديث عنها أو تصويرها في عدد من وسائل التَّواصل الاجتماعيّ.
ورصد "أكيد" منشورات على مواقع التَّواصل الاجتماعي، قامت بنسبة الحادثة لأشخاص آخرين وأحدثت تشويشًا وتضليلًا وبعداً عن الشخص الحقيقيّ الذي يقف خلف مشهد هذه القصّة، وكان لرواية الإعلام لو أخذت أبعادها الطبيعيّة بيانًا للواقعة وقطعاً للطريق على الروايات المضلّلة.
ويشير "أكيد" في هذا المجال إلى:
أوّلًا: مثل هذه القضايا والتي تبيّن القيم النَّبيلة عند الإنسان يجب أن تأخذ مكانها في وسائل الإعلام وصدارة الأحداث الاجتماعيّة.
ثانيًا: قيام وسائل الإعلام بالبحث عن التَّفاصيل والوجه الآخر للقصة يزيل كثيراً من الغموض والإبهام عن كثير من القضايا.
ثالثًا: يتمّ رسم صورة نمطيّة سلبيّة لبعض القيم النَّبيلة في وسائل التّواصل الاجتماعي مثل الأمانة والواجب، وبرواية القصّة الحقيقيّة من أطرافها المعنيّة كافة، يتمّ الوصول إلى رسالة صحافيّة نبيلة.
رابعًا: لوسائل الإعلام الدور المهمّ في دحض الإشاعات والأخبار الزائفة من خلال المتابعة والوصول إلى تفاصيل الواقع كاملة.
خامسًا: يوصي "أكيد" بضرورة الاطلاع على المعايير المهنيّة والقانونيّة التي تحكم عمل وسائل الإعلام في مثل هذه التَّغطيات والتي من أبرزها: احترام قيم الأسرة، والبحث في ما وراء الخبر، ونقل التَّفاصيل، والقيام بالتَّغطيات المعمّقة.
المصدر :أكيد



















