بلكي نيوز
يقول كاتب هذه المقالة كان الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله عميداً لكلية الشريعة في جامعة دمشق، وقد كان يأتي من دمشق كل يوم أربعاء لتدريس مادة القرآن الكريم في قسم اللغة العربية في جامعة اللاذقيه فكنّا نستضيفه تلك الليلة ليعود إلى دمشق بعد ظهر الخميس.
كنت أعمل آنذاك في تأسيس مكتبة الجامعة، إذ لم تكن هذه المكتبة موجودة قبل ذلك الوقت، وحدث أن زارني رئيس الجامعة في مكتبي وأنا أستضيف الدكتور البوطي عندي، فوجّه إلينا معاً الدعوة لحضور العشاء مساء يوم الخميس. أجبت من فوري بقبول الدعوة شاكراً
…لكن الدكتور البوطي طلب بلطف أن يستأذن والده في دمشق أولاً !!
لا أدري أيّنا كان وقع المفاجأة عليه أكبر، أنا أم رئيس الجامعة، فأن يعتذر بأي عذر آخر سيبدو أمراً عادياً لا غبار عليه
أما أن يطلب أستاذ جامعي كبير في الأربعين (تقريباً) وأبناؤه الآن ما شاء الله طلاب في الجامعة، وهو عميد لكلية كبيرة ككلية الشريعة، وفي جامعة كبيرة كجامعة دمشق، أن يطلب الإذن من والده لحضور عشاء وتمديد زيارته لللاذقية من مساء الخميس إلى صباح الجمعة، فهذا أمر كان وقعه عليّ وعلى رئيس الجامعة كما تؤكد ملامح الذهول في وجهه _ وقع الصاعقة
ومع ذلك فقد استجمع رئيس الجامعة قواه وعدّل ملامح وجهه بسرعة الدبلوماسي الحكيم وتوجّه إليّ قائلاً : اذهب يا بسّام مع الدكتور البوطي إلى مكتبي ليتصل من هاتفي المباشر هناك بوالده في دمشق.
المفاجأة لم تنته بعد، ففي مكتب الرئيس أمسك الدكتور البوطي بالسماعة وسمعت منه وهو يحدث والده على الهاتف العبارات التالية التي أحاول أن أنقلها هنا حرفياً :
- السلام عليكم أبي
- السيد رئيس الجامعة دعاني مع بقية الأساتذة مساء غد للعشاء في منزله، فهل أستطيع حضور المأدبة وأعود إلى دمشق صباح الجمعة.
- شكراً أبي …
السلام عليكم ….
وضع السماعة وقلت له مجاملاً : الحمد لله، هكذا أصبحت الأمور أسهل وتستطيعون الآن البقاء باطمئنان، وكانت المفاجأة الثانية تنتظرني على لسان الشيخ :
- لا والله، لا أستطيع،
أبي ما وافق!!!!
لن تتصور أبداً معالم المفاجأة على وجهي، ولا على وجه رئيس الجامعة حين وصفت له بدقة ما جرى على الهاتف …
……..هل هذا معقول؟
ولا نقاش ولا حوار ولا إلحاح، ولا حتى كلمة رجاء أو محاولة ثني والده عن رأيه
(لا) يعني (لا) وكفى !