عاجل / محرر الشؤون السياسية يكتب :- الدبلوماسية الأردنية … سباقٌ محموم مع الزمن

خاص لموقع بلكي نيوز .
يختصر " الاستنفار" الدبلوماسي الأردني الذي انطلق مع التطور المبكر للأحداث في غزة حيث العدوان الصهيوني الدموي الهائل على القطاع المحاصر في محاولته لتدارك الهزيمة المدوية التي ألحقتها به عملية (طوفان الأقصى) البطولية الاستثائية ، يختصر مخاوف عدة في استشرافٍ للسناريوهات الخطرة التي يحاول كيان الاحتلال فرضها على الأرض مستغلاً الواقع لتمرير مخططات قديمة متجددة ترمي إلى تصفية المقاومة الفلسطينية على طريق تصفية القضية إلى الأبد .
التنبّه والاستنفار الواضح على عدة مستويات أردنية ضاعف منه غياب موقف رسمي عربي مطلق يقف الى جانب فلسطين، فضلاً عن التحشيد العسكري والدبلوماسي والدعم الهائل بالسلاح والعتاد والمال الذي قدّمته واشنطن وعواصم الغرب من اللحظة الأولى وماتزال .
صحيحٌ أن التفاعل الاستثنائي الذي يبديه الأردن الرسمي ،فضلاً عن الشعبي، مع الحدث الفلسطيني سمة من سمات الدبلوماسية الأردنية انطلاقاً من إدراك خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية ووحدة الدم والمصير ، ومن الانعكاس المباشر للحدث الفلسطيني على الأردن وأمنه ونفوذه ، سيما مع التهديدات والاستهدافات ومخططات التهميش والقفز وانتزاع أوراق دورٍ وتأثير إلى الحد الذي يخلق تهديداً كبيراً ، لكن مايمكن وصفه ب "جرس الإنذار" الذي انطلق مبكراً في أروقة المطبخ السياسي - الدبلوماسي الأردني يؤكد أن الخطر المحدق بالأردن والمنطقة اليوم كبير ومتعدد، ما استدعى التحرك في كل الاتجاهات في مشهد استثنائي يذكّرنا بالجهود الأردنية الهائلة التي بُذلت إبان حرب الخليج الأولى ومحاولات احتواء التصعيد وتجنب الخطر المحدق انطلاقاً من فهم استراتيجي للنتائج الكارثية على المنطقة والعالم التي ستسببها مآلات المشهد في حال استمر في التصاعد، وهو ماكان فعلاً ، واليوم يبدو أن المشهد لايختلف كثيراً .
فالعين الأردنية التي ترصد كل تفاصيل المشهد تعرف أن إرسال أكبر بارجة أمريكية في العالم الى شواطئ المتوسط مباشرةً، وماتبعها من أسلحة وعتاد أمريكي وأوروبي ليس موجهاً بالمعنى العسكري إلى الأردن ، لكنه نذيرٌ كبير خطير بما يستهدفه على مستوى صراع المشاريع ومحاولة استثمار اللحظة لتمرير المشروع القديم المتجدد لتصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الجوار العربي وفي مقدمته الأردن الذي لم تتوقف يوماً مخططات العدو وأذنابه تجاه اعتباره جغرافيا الحل لأزماته ولانسداد الآفاق أمام مشروعه التوسعي الاستعماري ، سيما وأن الصدام بين مشروعين متصارعين في المنطقة اليوم قد بلغ ذروته وفي أجواء من الاشتباك في ساحات عدة تشهد تهدئة مزيفة قد يكون من أسبابها رغبة المتصارعين أو ربما نواياهم في التركيز على ساحة واحدة حاسمة يتم الانتصار فيها بمنطق الجولة وتسجيل النقاط ، دون إغفالٍ لاحتمال تدحرج كرة "النار" لتشمل الساحات جميعها وتحول المنطقة إلى كتلة لهب يتغيّر بنتائجها شكلها وربما شكل "إدارة" العالم الذي يعيش انزياحاً عنيفاً على ضوء مغادرته القسرية للقطبية الواحدة التي هيمنت عليه لعقود.
من الواضح أن التهجير الفلسطيني نحو الجوار ؛ الأردن ومصر بالذات، لم يعد مجرد فزاعة أو ورقة ضغط أو صفحات مشروع قديم مقرّ في دوائر القرار الصهيوني الغربي ، لقد انتقل اليوم إلى دائرة التنفيذ، وهو خط أحمر بالنسبة للأردن لانقاش فيه ، ما استدعى تحذيراً أردنياً واضحاً على كل المستويات وصلت آخر رسائله مدويةً حين أكد الملك في اجتماعٍ مهم للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية مساء اليوم "رفض الأردن القاطع لأس سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. "، في موازاة تكثيف الجهد باتجاه الشقيقة الكبرى (مصر) التي تعيش ذات المخاوف والضغوط، كما تضاعفت جهود الاتصال واللقاءات والجولات الملكية والحكومية لوقف شلال الدم الفلسطيني المؤلم وحماية القضية وتجنيب الأردن ويلات ماقد يحصل في حال تفاقمت الأوضاع وتُرك الاحتلال ليجهز على غزة وأهلها ومقاومتها وعلى القضية برمتها أو في حال اتسعت دائرة المعركة لتشمل أطرافاً أخرى، سيما وأن سيناريو تدخل (حزب الله) أو أي من حلفاء (ايران) في المعركة لم يعد مستبدعاً ، تماماً كما تحريك ساحات الاشتباك مع الأمريكي في المنطقة بما يهدد مصالحه بشكل مباشر على أمل كبح اندفاعته الهائلة التي تتجلى في زيارات كبار المسؤولين وفي تسخير كل الامكانيات بل وفي إدارته المباشرة لمعركة الكيان اليوم من كل جوانبها، آخذين بعين الاعتبار رغبة (تتنياهو) القديمة المتجددة في جر (الولايات المتحدة) إلى حرب إقليمية مباشرة مع (إيران) .
في إطار كل ذلك يبرز بشكل كبير هذا التفاعل الشعبي الهائل مع الحدث الفلسطيني ، في مشهد يمكن وصفه بالاستفتاء على قدسية ومكانة القضية الفلسطينية وخيارها في مقاومة الاحتلال وعلى الفهم الشعبي العميق لمفصلية الحدث ومخاطره على المنطقة والأردن، وهي رسالة غضبٍ أردنية إلى العالم ، ورسالة دعم للأشقاء في غزة وللجهود الرسمية الأردنية التي تزاود عليها أصوات مزاودة أو ساعية خلف حسابات شخصية او فئوية اعتدنا عليها ولم تعد تعني أحداً ولن يجني أصحابها إلا الخيبة ، فالحدث خطير والمخلص من يدافع عن الوطن وفلسطين بعيداً عن أية حسابات أو خلافات أو أوهام، فمن يعتقد أن المعركة ونتائجها ستقف عند حدود (غزة) أو فلسطين المحتلة واهم، تماماً كمن كان يراهن على الخلاف أو التباين بين (بايدن) وإدارته مع (نتنياهو)، فالخلاف في جوهره ناتج عن خشية الأمريكي من سياسات (نتنياهو) على الكيان واستقراره ومستقبله ، وهو مايجعل معركة اليوم فرصة من منظور امريكي لضبط إيقاع المشهد الداخلي في الكيان وحمايته من نفسه والتخلص من كل مايمكن أن يهدد وجوده واستقراره حتى ضمن بنيته الداخلية، انطلاقاً من محورية الكيان في الاستراتيجية الأمريكية كوكيل مطلق في المنطقة يحقق بقاؤه أكبر المكاسب مايجعل أمنه جزءً من الأمن القومي الأمريكي، وهو مايفترض أن تفهمه بعض الأطراف العربية الوازنة التي تقايض اليوم كل المبادئ ودماء الأشقاء في مقابل وعود واهية بأدوار ونفوذ أكبر في المنطقة والأقليم.
يحسب للموقف الرسمي الأردني هذا الثبات على الموقف رغم الضغوط والمخاطر ورغم الاغراءات والتي ستكشف تفاصيلها الأيام ويحسب للأردن هذا الدعم وهذه الحركة الدائمة والاستنفار والدفاع عن فلسطين وأهلها، ويحسب للأردنيين هذا التفاعل والموقف الواضح وهذا الاستعداد لتقديم كل مايلزم ، ويحسب لفلسطين أنها كانت ولازالت وستبقى أول من يوحّد الأمة وأنها أنجبت شعباً عظيماً يعزز ببسالته وصموده كل يوم ثقتنا المطلقة بأن هذا الكيان إلى زوال وأن داعميه إلى خزي وعار.



















