سامح المحاريق يكتب : اسقاط صفة التنازع عن الضفة وغزة مدخلاً ضرورياً لترتيب الأوراق الفلسطينية

بلكي الإخباري
تستند إسرائيل في مقاربتها في الضفة الغربية إلى مرواغة اصطلاحية أنتجه الدبلوماسي الأميركي السابق، هنري كيسنجر، بإفراغه لقرار مجلس الأمن الدولي 242 من مضمونه، وتحويل الضفة من أرض احتلت من المملكة الأردنية الهاشمية إلى أرض متنازع عليها بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل).
استخدام فكرة الأرض المتنازع عليها يقف وراء تغول إسرائيل الروتيني في الضفة الغربية، ورفض فكرة الدولتين، وهي فكرة يدافع عنها الأردن لأن وجود دولة فلسطينية تحت إطار القانون الدولي هو الضمانة الكاملة لإجهاض فكرة الوطن البديل.
تنبه الملك الحسين إلى هذه الورطة بصورة مبكرة، واتخذ موقفاً سلبياً من كسينجر الذي تمكن من صناعة الطعم الذي ابتعله الجميع بعد حرب أكتوبر 1973، وأعلنت الحكومة الأردنية كسينجر شخصاً غير مرغوب به عندما حاول زيارة الأردن بعد تقاعده من مناصبه السياسية.
الضفة الغربية هي أرض محتلة وفقاً لقرار أممي تترتب عليه وقائع قانونية لاحقة، ولكن الضغط على الأردن أدى إلى إفساح الطريق تحت إشكالية التمثيل، وصولاً إلى ضربة كاملة مع فك الارتباط المتزامن تقريباً مع إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر 1988، وهو الإعلان الذي لا يعني شيئاً من الناحية القانونية.
استدعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، الأردن وفلسطين في وفد مشترك، يترأسه كامل أبو جابر وزير خارجية الأردن، واشترطا عدم تواجد منظمة التحرير الفلسطينية والبحث عن ممثل فلسطيني من الداخل، ولكن تركيبة الوفد الفلسطيني أتت مخيبة بصورة لا يمكن قبولها، فالوفد كان يشتمل على قيادات مجتمعية، أطباء ومحامين ورؤساء بلديات وأساتذة جامعيين في الهندسة والفيزياء، ولم يكن يضم شخصاً واحداً مختصاً بالقانون الدولي.
وقتها توجه الأردن بصورة مباشرة إلى الوفد الإسرائيلي، بسؤال واضح حول الفهم الذي تحمله إسرائيل لقرار 242؟ ولم يتلق الأردن إلى اليوم الإجابة الواضحة، بل ولم يعد في مرحلة ما قادراً على توظيف القرار بعد أوسلو 1993.
الورطة تبدت عندما اضطرت الدكتورة حنان عشراوي إلى إجراء مقابلة مع قناة سكاي نيوز الأميركية، ووقتها وجدت نفسها مضطرة للمناورة بين مفهومي الأرض المحتلة والأرض المتنازع عليها، وفي الحقيقة، قدمت الدكتورة درساً رائعاً لطلبة اللغة الإنجليزية في طريقة لفظها للكلمات وتوظيفها للمصطلحات ولكنها لم تستطع أن تتعامل مع السؤال العالق حول الوضعية القانونية للضفة الغربية.
السؤال نفسه ينطبق على قطاع غزة بالمناسبة، ولكن وضعية القطاع لم تكن تشكل أي ضغط على المؤسسات في مصر، والسيناريوهات المصرية متعددة والخيارات كثيرة، ولا توجد إشكاليات عميقة يمكن أن يرتبها القطاع على مصر، وعلى العكس من ذلك، تمكنت مصر من تحقيق فوائد استراتيجية من مواقفها تجاه غزة، ومنها تحييد مواقف الإدارة الأميركية الحالية وتأجيل ملاحظاتها حول بعض القضايا الداخلية في مصر، مقابل أن تمارس مصر ضغطاً على حركات المقاومة في غزة، وتعمل على رعاية الترتيبات لامتصاص التوتر كما حدث في 2021 بالتوازي مع التهديدات الإسرائيلية للقدس وواقعها السكاني في حي الشيخ جراح.
يجب أن يحضر القرار 242 بغض النظر عن الفهم المقابل ضمن الخيارات الاستراتيجية للمنطقة العربية إذا أرادت أن تحقق تقدماً معقولاً إلى حالة من الاستقرار يمكن أن تنبني عليها حالة منشودة من التنمية.
حضور القرار بوصفه ورقة في ملف أوسع يجب أن يرتبط بإمكانية تحويله إلى خيار واضح تدور حوله جهود الدولة الأردنية بكامل مؤسساتها وعلاقاتها ومنطقها وأسئلتها المعلقة التي بقيت من غير إجابات منذ يونيو 1967، والملف الأوسع الذي يجب أن يعود ليرتب أوضاع المنطقة بكل تفاعلاتها، خاصة بعد مرحلة الربيع العربي، هو المبادرة العربية للسلام التي وضعت على الطاولة في بيروت 2002، وبقيت تمثل الحد الأدنى المعقول الذي لم تتحفظ عليه سوى سوريا ولبنان لعدم توضيحه مصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة اللاجئين في لبنان، إلا أن ذلك، ظهر أنه لن يكون حجر عثرة في محادثات جرت على هامش زيارة رئاسية سورية للسعودية بعد إعلان المبادرة.
انفصال المسارات العربية واتفاقيات التطبيع من غير ثمن سياسي يتعلق بالوضع الفلسطيني، وهشاشة الشريك الإسرائيلي واندماجه مع اليمين المتطرف، أدت جميعها إلى لحظة متفجرة وحرجة تجري وقائعها في غزة، ولا يمكن الحديث عن أي مستقبل لا يتاخم المبادرة التي لقيت توافقاً عربياً هو الأوسع، على الرغم مما جرى من مياه، فهذه المياه كلها بددتها إسرائيل في حربها الوحشية على غزة، ونواياها تجاه الضفة، من منطلق صفة التنازع التي تدفع بها إسرائيل للهروب من استحقاقات الاحتلال الذي يستدعي المقاومة ويسوغها.
هل يمكن في هذه المرحلة أن يعد عشرات القانونيين من الأردن وفلسطين وبقية الدول العربية مقاربة مهمة تتبناها المجموعة العربية لإسقاط ورطة التنازع التي يمكن لأي شخص اطلع على كتاب بنيامين نتنياهو «مكان بين الأمم» أن يتعرف على أهميتها ومركزيتها بالنسبة للجانب الإسرائيلي؟
وقتها يمكن للدبلوماسيين أن يتحركوا على أرضية أكثر وضوحاً وصلابة لتسويق مقاربة جديدة ضرورية، خاصة أن الجانب الفلسطيني نفسه، وعلى لسان الرئيس محمود عباس قام بالتلويح بخيار حل السلطة ابتداءً من سنة 2010 من غير توضيح للنتائج القانونية على هذه الخطوة، ومن غير مشاورة الأردن في تهديداته التي تعتبر ملفاً قانونياً يقع أو سيقع جزء كبير منه على عاتقها.
الوفود التي ترسل للتفاوض لا يجب أن تتعامل مع الأمر بوصفه فرصة لزيارة بلدان جديدة، وشراء هدايا للأصدقاء لدى العودة، والعرب المشهورين بشعورهم السريع بالملل وضيقهم بالتفاصيل يجب أن يتغيروا، وأن يتركوا الخبز لخبازه، لا أن يصبح كل مفعول جائزاً، خاصة في مرحلة حرجة ومعقدة ومربكة ولا تتحمل مزيداً من الاجتهاد والمغامرة



















