الرفاعي في ندوة "الحموري": الأردن لم يكن يومًا انتقاميًا واستقلاله تجسيد لتضحيات الأردنيين وقيادتهم عبر التاريخ

عمان – ضمن سلسلة ندوات "حرب الوعي والرواية"، استضاف منتدى الحموري الثقافي ندوة بعنوان "سردية الاستقلال: من الاستقلال إلى المستقبل"، استضاف خلالها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي الذي قدم رؤيته الشاملة لمسيرة الدولة الأردنية، مؤكدًا أن الأردن لم يكن يومًا "انتقاميًا" وأن مواقفه وسياساته تنطلق من منطق الحكمة والتبصر، لا من ردود الفعل الآنية.
وفي مستهل حديثه، شدد الرفاعي على أن حب الأردن ليس مجرد شعارات أو تعصب أعمى، بل هو اعتزاز عميق بتضحيات الأجيال المتعاقبة ومنجزات حقيقية تحققت على أرض الواقع. وأضاف أن هذا الاعتزاز يستوجب تقديم رواية كاملة وواضحة لمسيرة الدولة الأردنية، بما تشمله من حيثيات وإنجازات وصمود في وجه التحديات.
وأكد الرفاعي أن "الأردن واستقلاله ليس منحة أو عطية، بل جاء نتاجًا لتضحيات جسيمة قدمها أبناء الأردن وقيادته الحكيمة عبر المراحل المختلفة". واستعرض المحاولات التي تعرض لها الأردن للنيل من استقراره ووحدته، مشيرًا إلى أن صمود الأردن وبقاءه قويًا لم يكن أمرًا سهلًا، وأن العديد من التيارات التي حاولت إضعافه قد تلاشت بمرور الزمن.
وفي سياق التحديث والتطور، أشار الرفاعي إلى أن إطلاق جلالة الملك عبدالله الثاني للمئوية الثانية بلجنة التحديث السياسي، دون أي ضغوط خارجية، يعكس ثقة جلالته الكبيرة بشعبه وقدرته على المساهمة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا. وأكد أن "المدرسة الهاشمية علمتنا أن التحديث لا يجوز أن يهدد الثوابت، وأن الانفتاح لا يعني التفكك، وأن الإصلاح الحقيقي يزدهر في كنف الدولة وبرعاية مؤسساتها، لا على أنقاضها". وأعرب عن ثقته بقدرة الأردنيين على تجديد الدولة دون المساس بالثوابت والحفاظ على الوطن لجميع أبنائه دون تمييز أو إقصاء، في دولة تعلي قيمة المواطنة وترفض منطق الاصطفاف.
وتناول الرفاعي مفهوم الاستقلال، مؤكدًا أنه لم يكن مجرد محطة عابرة في الذاكرة الوطنية، بل هو ركيزة أساسية لبناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمواطنة والسيادة. ووصفه بأنه مشروع متصل بدأ مع الملك المؤسس عبدالله الأول، وتواصل مع الملك طلال والملك الحسين الباني، ويقوده اليوم جلالة الملك عبدالله الثاني بحكمة وشجاعة، مستلهمًا نهج آل البيت الأطهار ومجسدًا آمال الشباب وتطلعاتهم.
وأشار إلى أن الدولة الأردنية أثبتت على مدى أكثر من مئة عام أن الاستقرار يبنى بالثقة لا بالقوة، وأن الأمن لا يتحقق إلا بمنظومة عدالة تحترم كرامة الإنسان وتكرس سيادة القانون وتضمن الحقوق والواجبات. وانطلاقًا من ذلك، أكد الرفاعي أن "الأردن لم يكن يومًا دولة انتقامية، ولا تصدر مواقفه وسياساته ارتجالًا أو بمنطق الانفعالات الآنية، بل احتكم دائمًا إلى الحكمة وسعة الصدر، ثم الحسم عند الضرورة الوطنية، دون إقصاء أو انتقام أو ظلم".
وشدد على أن هناك معادلة دقيقة بين بناء الدولة وحماية الاستقرار، قوامها السيادة والانفتاح، والثوابت والتجديد. وجدد التأكيد على أن التحديث بات حتمية وطنية ضمن معادلة الاستقرار، وهو تحديث يعزز الثقة ولا يقصي أحدًا ولا يساوم على الدولة ومؤسساتها واحترام القانون.
وفي سياق التحديات، لفت الرفاعي إلى أن استقلال الأردن لم يكن منحة، وأن الحفاظ عليه وتعزيزه لم يكن أمرًا يسيرًا، بل هو مسيرة مستمرة مليئة بالمحطات الكبرى، بدءًا من وضع الدستور وبناء المؤسسات، مرورًا بالانتخابات البلدية والنيابية والحياة الحزبية النشطة وتعريب الجيش وبناء اقتصاد صامد، وصولًا إلى التحولات الاقتصادية الكبرى. وأكد أن هذه المراحل لا تقل أهمية عن حدث إعلان الاستقلال ذاته، وأن من الضروري أن يدرك جيل الشباب والأجيال القادمة هذه الحقائق، وأن الاعتزاز بالوطن وهويته هو اعتزاز بتضحيات كبرى ومنجز حقيقي.
واعترف الرفاعي بوجود تقصير في تقديم قصة نجاح الأردن وإبداعه وعطائه بالشكل الأمثل، مشيرًا إلى أهمية توضيح الهوية الوطنية الأردنية، التي وصفها بأنها "هوية أردنية عروبية بثقافة حضارية إسلامية وسطية لا يختلف عليها عاقلان"، والتي تبلورت عبر مئات العوامل والتحديات والنضالات، وكان أهم أسسها إصرار الأردن على الصمود في وجه كل التحديات والمؤامرات.
وتطرق الرفاعي إلى الضغوط الدولية والتحولات الإقليمية، مؤكدًا أنها ليست جديدة على الأردن الذي اعتاد على تجاوز مثل هذه الظروف. وأشار إلى المحاولات المستمرة للنيل من الأردن ومواقفه، مستعرضًا تاريخيًا كيف تلاشت العديد من التيارات التي حاولت إضعاف الدولة، بينما بقي الأردن صامدًا.
وفيما يتعلق بالتحديات الراهنة، أشار إلى الأعباء التي تلقيها التغيرات في الجوار على الأردن سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى تقلبات السياسة الدولية والضغوط لتغيير مواقف الأردن، خاصة تجاه القضية الفلسطينية، وموجات اللجوء المتكررة التي يستضيفها الأردن. ورغم هذه الضغوط، أكد الرفاعي بثقة أن الأردن كان أقل الدول تجاوبًا مع الضغوط الدولية واستطاع أن يقف بشموخ، مجددًا التأكيد على رؤية جلالة الملك بضرورة الاعتماد على الذات والمنعة الاقتصادية.
وفي الختام، شدد الرفاعي على أن الحفاظ على الأردن ومواقفه ونظامه السياسي وتوازنه الاجتماعي هو الخيار الوحيد لكل من يقيم على هذه الأرض، داعيًا إلى دعم ذلك بكل السبل. وأشار إلى الإيمان الكبير الذي يتمتع به الأردنيون بدولتهم ومؤسساتهم ورغبتهم بالتغيير نحو الأفضل ضمن الأطر القانونية والدستورية، معربًا عن تفاؤله بنجاح مسارات التحديث التي أطلقت لتحقيق رؤية الملك.
وقد حضر الندوة عدد من الوزراء السابقين والنواب والشخصيات السياسية والوطنية والإعلامية، الذين تفاعلوا مع الطرح الشامل الذي قدمه الرفاعي حول مسيرة الدولة الأردنية وتحدياتها وآفاق مستقبلها.






















